اعتاد مسعود أن يتجول في أزقة المنامة، خاصة في محيط السوق القديمة، بعيون مثل عيون قط رمادي، كانت تتسلق على المباني القديمة. يتشمم عطر الأزقة الطازجة في أيام الجمع، تبحث عيناه عن التفاصيل الصغيرة هنا وهناك، يمتص تفاصيل البيوت والعمارات القديمة، تُمشّط عيناه الأرصفة، والعتبات، يُصافح الأبواب القديمة، يربت على مقابضها بِحنّية.
ذات صباح وهو في تسكعه اللذيذ، لحظ شيئا جديدا، فقد كانت إحدى غرف العمارة المقابلة لعمارة تاجر البطاطس، كانت مشروخة الجدار، تبين أنه صدع عميق، بعمق إصبعه الصغيرة، هكذا قاسه في خياله، ثم أخذ يفكر في تلك الغرفة، " ربما يسقط الجدار في أية لحظة، علي أن أتوخى الحيطة والحذر، فالجدران لا تمزح مع الأطفال عادة". هكذا كان يُحدث نفسه.
في الجمعة الثانية مر على نفس المكان، يبدو أنه يٌحب التجول في هذا الزقاق كثيرا. وجد الغرفة وقد سقط من جدارها بضعة أحجار، تكونت فجوة بحجم دائرة صغيرة، تكفي لأن يدخل فيها بجسمه الصغير، أخذ ينظر إلى داخل الغرفة، تخللت عيناه إلى أكبر قدر من الرؤية الُمتاحة. كانت توجد شرائح كبيرة من الاسفنج الملون والذي تُصنع منه مَراتب الأسّرة، كانت مرصوصة بعضها ببعض، وكانت ألوانها متعددة، لاحت له مثل ألوان الفرح، مثل قوس قزح، واحدة صفراء، تليها زرقاء، و ردية، وخضراء وبصلية، كان يرى الألوان بسنوات عمره الصغيرة، فيؤثث أحلام صباحه بفرحة غامرة، " آه، لو أظفر بواحدة، لأ خذتها معي لتصبح لي منامة جديدة، أصفها بجوار مرقد أخي القطني وأباهي الجميع بهذه المرتبة الاسفنحية الزاهية". دوى صوت سقوط بعض الأحجار، عاد سريعا على وقعه إلى واقعه. قفز بسرعة مُبتعدا عن الجدار، وفي ثواني، رأى بأم عينيه زاوية الغرفة وقد تهاوت كالركام فَسّدت الزقاق.
أخذ ينظر إلى الأعلى، أصبحت الغرفة مكشوفة، تَبين أنها مخزن لعشرات المراتب الاسفنحية الملونة، التهب خياله، " يا الله، كل الألوان موجودة هنا، ولكن كيف يُمكنني أن أصعد إلى الأعلى؟". كان يفكر في هذه الفتنة التي تكشفت أمامه كفتاة جميلة. ظل يُشاهد المكان ويبحث في رأسه عن حل لهذه الرغبة المشتهاة، رغبة الظفر بواحدة من تلك المراتب.
وهو ينظر بحسرة إلى ألوان المراتب الزاهية، خطر الحل في باله، فتلقفه بسرور،" الحل في السُلّم، سُلّم والدك الخشبي، يمكنك الصعود به إلى الغرفة وتناول حلمك، بكل بساطة، اقبض على حلمك قبل أن يَفرّ". استبشر بهذه الفكرة، ولكن تَوّلدت صعوبة أخرى، لن يستطيع حمل السلم بمفرده، يحتاج إلى من يساعده، فكر في الأمر، لم يجد غير صديقه سالم، لذلك، عندما رجع إلى البيت أخذ يفكر في مفاتحة صديقه في المساء. بعد صلاة العشاء كان يطرق باب صديقه، ولحسن الحظ، فتح سالم الباب، صافحه، ثم بدأ يقص عليه الموضوع:
_ اسمع ياصديقي، وجدت مغامرة شيقة، وأردت أن أشركك فيها.
برقت عينا سالم:
_ تعرفني، أنا أشتاق للمغامرات مثلك.
_ الموضوع سهل ولكنه ممتع، سوف نحمل السلم الخشبي معا، ونتوجه صباح الجمعة القادمة، إلى حيث نعانق الأحلام الملونة.
لم يفهم سالم حرفا مما قاله صديقه، مغامرة، ثم، صارت أحلام، وهل نحتاج إلى سلم لاصطياد الأحلام؟
_ لم أفهمك ياصديقي.
_لا عليك، سوف ترى بعينك، الغرفة الُمهدّمة، وهناك، ألوان السعادة تنتطرنا.
_ أية ألوان؟ هل هي فزورة، من فزوراتك الأثيرة؟
_ ليست فزورة ولا أحجية، سوف نصعد للغرفة بهذا السلم ونتناول الاسفنح الملون، لي واحدة ولك واحدة، هل فهمت الآن؟
_ يعني نسرق الاسفنج.
_ لا نسرق ولكن الغرفة ستندثر قريبا تحت الركام،يبدو إنها مهجورة وحرام أن نُضيع فرصة كهذه.
_ فعلا حرام، إذن نتوكل على الله.
_ أراك صباح الجمعة.
_ سوف تراني منتظرا أمام داركم.
ودع مسعود صديقه والفرحة تملأ روحه، وبقي يعد الأيام حتى جاء يوم الجمعة. استيقظ مبكرا وعندما أراد الخروج، وجد صديقه في الإنتظار أمام الباب. حمل الإثنان السلم ،مسك مسعود المقدمة، وكان سالم يحمل المؤخرة، ومشيا في الطرق الموصلة لزقاق الحلم، لكن المفاجأة كانت تتربص بفرحتهما. عندما وصلا، كانت الغرفة قد أزيلت تماما، وبقي مكانها فراغ يشى بنقص ما في ذلك المبنى، فرك مسعود عينيه وهو غير مصدق، اسبوع واحد تغير فيه كل شيئ ، بعد أن كاد يمسك بنعومة الاسفنج الملون، وبعد أن فَصّل حلمه على مقاس المرتبة الملونة الزاهية، تفر كل ألوان الفرح دفعة واحدة، ويصبح الحلم الصغير بعيدا كل البعد، هاهو مع صديقه ينظران إلى الفراغ، بالنسبة إلى سالم ربما يكون الأمر مجرد وهم أوكذبة لكن لمسعود، كان الأمر كبيت عنكبوت تمزق بلمسة واحدة.