وداعية للشاعر الكبير/ حسن القاضي الجوهري, رحمه الله وغفر له
كأنه الآن.. والطبشور في يدهِ
وهَبَّ يرسم فوق اللوح أبياتا
قال ابن مالكٍ -الرحمنُ يرحمهُ-
والخَطُّ.. يَنطِق إفصاحًا وأصواتا
تظنهُ ابنَ عقيلٍ, قام مُدَّرِعًا
شواهدَ النحو.. توجيهًا وإثباتا
وفوقَ سبورةٍ خَطَّتْ أناملُهُ
روائعَ العلمِ, ما تسطيعُ إفلاتا
يلوحُ في حُلَلٍ بيضاءَ من ألَقٍ
كأنه مُـحْرِمٌ قد حَلَّ مِيقاتا
سحابةٌ من بياض العلم.. مُترعَةٌ
تُغيثُ شَطًّا ووديانًا وأَخباتا
لِدرسِهِ هيبةٌ.. لا لغوَ, لا صَخَبٌ
هل مثلُهُ أحدٌ؟! هيهاتَ هيهاتا
وقارُ عِلْمٍ, وعِلْمٌ بحرُهُ لُـججٌ
رَبَّى وعَلَّمَ أجيالاً وأَوقاتا؟!
وظَلُّ يزرعُ روضَ العلم مجتهدًا
أحسنتَ -يا شيخَنا- زرعًا وإنباتا
كأنه الآن.. في النادي, وقد هَطلتْ
أحلَى القوافِـي, وبحرُ الشعر قد واتى
إذا تَهادَى هديرٌ من روائعِهِ
أصغَى له الجَمعُ إعجابًا وإنصاتا
كم رَقَّ منه نَسيبٌ، وانتشَى أَلَقٌ
في فخرهِ، وسَما بالوصف نَعّاتا
وانساب بحرُ بيانٍ كاملٌ رَجَزٌ
ووافِرٌ, زان إعلانًا وإخفاتا
فالشعر يُـحيي نفوسًا مَسَّها رَهَقٌ
كالغيث يُـحيى -إذا ما انْـهَلَّ- أمواتا
إذا شدا حسنُ القاضي قصيدتَهُ
يُردّدُ الناسُ مما قال أَبياتا
لسانَ جازانَ أمسَى شِعرُهُ, فحَكَى
همومَهُ، لم يكن بالشعر مُقتاتا
وشِعرُهُ الفَذُّ يَروِي هَمَّ منطقةٍ
بـمنطقٍ لم يُطِقْ زَيفًا وإصماتا
(الجوهرياتُ).. أنقَى جوهرًا وسَنًا
فالجوهريْ صاغها فكرًا, وما اقتاتا
هنا (البيان) الذي يَهوَى، ويَعشقُهُ
أضحَى له سيدًا, رمزًا, وقد باتا
يا (منتدَى الفكرِ) حَتَّامَ (الهراءُ) ؟ شكَى
-فصفّقَ الناسُ تأييدًا- وما افتاتا
يا حبّذا (صانعُ الأمجاد) في وطني
أحيا به الله في الأوطان ما ماتا
فأسّسَ الوطنَ الغالي بعزمتِهِ
وكان موطنُنا مِن قبلُ أَشتاتا
جازانُ من (منبع الإلهام) وثبتُهُ
ما أعذبَ الاسمَ -يا جازانُ- والذَّاتا
وعاش ما (بين زيدٌ قام, وانطلقَتْ
هندٌ, وما كَفَّ ضربُ الناسِ) إعناتا
وهَــزَّهُ مَن بـ (باب السجن) قد (وَقَفَتْ)
فعالَجَ السجن, والسجّان, والقاتا
وهَبَّ يَـحمِي رياضَ الشعر إذ هَجمتْ
زعانفٌ, وعَدا العاديْ لِـيقتاتا
قد خَلَّدَ الشعرُ فينا شاعرًا حسنًا
وإنْ قَضَى ذلك القاضي.. فما فاتا
ذِكراهُ في خَلَدِ المِخلافِ خالدةٌ
قد كان في الشعر غرّيدًا ونَـحَّاتا
وعاش منتصبًا للضر، محتسبًا
للأجر، مغتربًا صبرًا وإخباتا
هذا أبو خالدٍ.. إنْ مات مصطبرًا
فشعرُهُ خالدٌ في الناس.. ما ماتا
أبها، 25/ 7/ 1445هـ(ما بين الأقواس من شعر الراحل حسن القاضي رحمه الله)