القرى تستعد للقادمين من الليل، تركوا الليل حتى يستوي ويمضي ويزول سواده ، انتظروا النور حتى يشع، أناخوا ركابهم مع الشروق، فاحت روائح القرى، انبعثتْ الطيبات من جنبات الوادي، العطر القادم من باطن الأرض أرسل شذاه كي يكون النهار في أوج روعته، تسابقت القرى في إبراز ريحها، عطرُ البراري الذي أشرق مع نور الصباح عبَّرَ عن حبه للقادمين ;فمنحهم أريجًا يعطر تعبهم ووعثاء سفرهم، والعصافير التي صمتتْ في الليل قدمتْ لتنشدَ للقادمين تحايا الترحيب وفي مناقيرها خصلات من نباتات الأرض، والنسيمُ الهاربُ من وحشةِ الظلمةِ تسللَ إلى الفرحين بالصباح كي تسكن البهجة مع الفرح في قاع العيون، حضرت مع القادمين الجدد فتاةٌ فاتنةٌ تحب الحياة، عمرها كعمر الظلال عند الإشراق، بدت رائعة مثل الأغصان التي تتمايل مع نسيم الصباح، جلستْ تحت ظل شجرة كبيرة عليها عصافير ملونة، كتبتْ على التراب البارد فرحتها، سطرتْ ما رأته في أحلامها الجميلة، أعجب بها أحد المستقبلين -ولايزال للظلام والأحلام بقايا في وجنتيها- تمنى أن تسكن في روابي القرية، وأن يبني لها بيتًا يشبه بناء العصافير لأعشاشها، هزّتْ رأسها طربًا وكأنها تريد من الصباح أن يطولَ أكثر لتنسى رحلةَ السفر، طال وقتُ الصباح في فصل الربيع، امتد الظلال أكثر، ارتفع صوت العصافير بعد أن شبعتْ من رؤوس الحقول القريبة، ولّى الصباح بعد رحلة السفر، غادروا كلهم وبقيتْ تنتظر الليل لتراه في مكان آخر، جاء الليل مختلفًا، سكنتْ معه مثل عصفورين جميلين، انتظرتْ حتى يأتي صباح آخر لتستقبل القادمين للتهنئة، حضروا وقتَ الإشراق ومعهم أنفاس الصباح القادمة من وادي الحقول، احتفلوا بها وبالصباح، لم يغادوا مع الغروب، بدت القريةُ في أجمل حللها، سكنوا معها وجمعوا الليلَ والنهارَ في رحلةِ السفر، بنوا على ربى القريةِ أحلامهم.