___________________
على حافة إحدى حجرات المنزل العلوية شيَّدتْ لحاضرها الحالم؛ ومستقبلها القادم سكناً؛وتفانت كثيراً في ترسيخ بنيانه ..
عشٌّ ؛أسطواني الشكل ؛مادتُه من أعواد القشِّ؛وقطع من الأسلاك ؛وملاعق بلاستيكية صغيرة الحجم ؛وغير ذلك؛مما لم تألفه العين.
وكما تجري العادة ؛في رحلة البحث اليومية عن القوت؛تُقضِّي وقتها مع أسرابها ؛شأن الكائنات جميعاً ..
"تغدو خماصاً ؛وتروح بطاناً".
حتى إذا دنت لحظات الغروب أوت إليه وحيدة ..
كنت كلما فتحتُ النافذة ؛أقف لحظات متأملاً في صناعة بيتها؛والقدرة التنظيميةلها بعين الدهشة ؛أعجب من هذا التشابك المحكم.
وكانت كلما اقتحمتُ عليها سكونها طارتْ إلى حافة الجدار المقابل ؛تناظرني بهلع ماذا عسى أن أفعل !!
أخاطبها فأقول :اطمئني ؛واستريحي ؛لك أن تسكني ماشئت؛أمَّا أن تبيضي فلا..
كنتُ أعلم أن شرطي هذا ؛ليس من منطق الطير في شيء ..
وهل كان السكن حتى لنا نحن بني الإنسان ؛مخصصاً للمنام فقط ؟!
قلتُ ربما فسَّرتْ مداهماتي المستمرة؛ بأن حريتها ليست حرية مطلقة ؛وأنّها لو باضتْ ذات يوم ؛سيكون مصير بيضها الفناء؛لالشيء؛ إلاَّ لأنَّ فراريجها ستكون مصدراً خطراً لظهور الدود الذي سيتكاثر؛وستمتد جحافلها إلى الداخل ؛لتعيث في الدار ؛والأطعمة كما يحلو لها ...(وموّال طويلٌ عريض)؛وقد حدث مثل ذلك غير مرة ؛من نوافذ أخرى ؛تم تحصينها ..
استشعرتُ استيعابها لتهديدي هذا ؛ولاسيما وهي مداهمة جعلتُها يومية ..
وهكذا مرت الأيام والليالي ؛وهي على العهد ..
وذات نهار كانت المفاجأة..لقد باضت ..أخلفتْ العهد ؛وسأضطر إلى عزل بيضها عنها ..
آخر النهار عادتْ ؛فلم تجد سوى الفراغ ؛
استكانت إلى الصمت؛ومن المؤكد أنَّ سعيراً من الغضب احتدم في داخلها..
وتمضي الأيام؛وبيتها مصون من المخاطر؛ناء عن الاعتداءات.
وذات نهار ؛فعلتْ فعلتها !!
باضتْ من جديد ؛بيضتين اثنتين..
خاطبتها :ياحمقاء ؛أنسيت مصير البيض الذي سلف؟!
التقطتهما وأودعتهما هذه في المرة في إناء ؛ أفكر في مكان آخر يمكنها الوصول إليه ؛ولاتُشكِّل خطراً على المنزل وأهله!!
ونحيت الإناء في زاوية مظلمة بعيداً عن العيون..
هجرتْ سكنها أياماً ثم عادتْ ..
اليوم هذا تذكرت الإناء ؛فذهبت لأنظر إليه..
تلقتني رائحة نتنة ..نظرت لأعماق الإناء وقد جفَّ محتواه...فالني مارأيت!!
تكسَّرتْ البيضتان ؛واحدةٌ أفرزت
جنيناً التصق بقاع الإناء ؛والأخرى مكسورةٌ؛ فارغة ..
انتابني نوع من القلق أنْ يكون فعلي هذا إجرامياً؛سلمتُ أمري لله ومضيت.