سؤال المواجهة ؛ولماحية الإجابة العميقة في نصِّ (من أنا؟!)؛للشاعرة/
هند النزارية
-عرْض النص:
من أنا؟!
مـن أنـا؟! يـا للشتات !
مـــا أقـــل الـمـفرداتْ!
حــــيـــرةٌ أوقــعــتَـنـي
فـيها فـخذ مـني وهاتْ
وأعــنِّــي إن تــكـرمـتَ
بــبــعـض الـمـعـطـيـاتْ
إنــــه لــغــزٌ وذهــنــي
مـنذ دهـر فـي سـباتْ
مـن أنـا؟! هل لي أنًا؟!
أم أنـني محض افتئاتْ!
أم تــرانـي حـلـقـة مــا
بــيــن مــفـقـود وآتْ؟!
ربــمــا نــقـطـة نــــون
فــي سـجل الـكائناتْ!
ربــمــا رمـــزٌ لـفـحـوى
الـتيه أو مـعنى الـفواتْ
ربـما اسمٌ جائزُ الصرف
عـــلــى رأي الــنــحـاةْ
فكرة في الغيب ضاعت
بــيـن رصـــدٍ وانــفـلاتْ
أأنـــبِّـــيـــكَ بــــســــرٍ
لـم يـزل في المبهماتْ
لـي هـنا ذاتٌ ولي في
الــعـالـم الـغـيـبي ذاتْ
ألــتــقــيـهـا كـــلـــمــا
ضـيعتُ مسبار الجهاتْ
ســوف أدعـوها مـساءً
لــنــحــلَّ الأحــجــيـاتْ
وسـأعـطـيـكَ جــوابـي
فـانـتظرْ حـتـى الـغـداةْ
____________________
-القراءة والتحليل:
هي ساعة ٌمن سويعات الزمن الراكض إلى مالانعلم من مجريات ومآلات؛تلوح كسحابة ريَّانة بالمطر في ثنايا نهار أوليل ،ساعةٌ لن تكون إلا استثنائية
في هباتها المصفَّاة من الشواغل وهيمنتها؛ومن المتاعب وأثقالها؛إلى أن
تتشكل نسيجاً ناعماً من اللحظات الهادئة التي يجنح إليها الكاتب أو الشاعر -وغيرهمامن المفكرين والفلاسفة وذوي النباهة-هنالك يحلو النأي بالنفس عن صخب الأجواء؛ والضجيج المستعر في محيط الحياة الإنسانية المنداحة؛وعن سفاسف الآراء؛والترَّهات؛والأقاويل ..
وساعتذاك تتاح مشروعية ملاقاة(الأنا) ؛ والإفضاء إليها؛ حرباً أو سلاماً.
وهي لحظات ستفرض على الشاعر أو الشاعرة أوغيرهما ذلك السؤال الجوهري المتسلل سرّاً وجهراً إلى دخيلته؛والمرتبط بطبيعته الخاصَّة ؛وكينونته التي هو عليها؛ورسالته في الحياة ؛وغايته التي يسعى إليها ويتوق إلى الظفر بها ؛وما إلى ذلك من رغبات ملحاحة مؤرِّقة؛فيتوجه حينذاك إلى ترجمة إجابته ؛في محاولة جادَّة باسلة تتيح له النفاذ الانسيابي إلى مكنونات ذاته ؛واستخراج أواستبطان هواجسها السلبية والإيجابية.
فإذا استطاع اصطياد شحناته وانفعالاته ؛لزمه إيداع تلك الخلجات النفسية الحبيسة في قالب فني مرئي من القوالب المحببة إلى نفسه:(مقالة؛قصيدة؛ خاطرة) الخ ؛
وفي أحيان أُخرى يحدث أن يأتي السؤال إليك مباغتاً من جهة قريبة أو بعيدة؛ضمن أسئلة حوارية معينة؛أوضمن طقس معين من الطقوس الاجتماعية؛تتطلب الحديث المباشر لا الكتابة،ولاتملك حينئذ إلا أن تجتهد في إيجاد إجابة دقيقة مكثفة؛آخذاً في الاعتبار أن تبلغ بعض درجات الإقناع إن استطعت الوصول إليها.
ولاجدال أنَّه أصعب سؤال مؤرِّق قد يواجَه به الإنسان أيَّاً كان في رحلة وجوده المترامية؛وتكمن الصعوبة في كون هذا السؤال؛أنه يتطلب التجرد التام من طغيان الأنانية ؛والتزام جانب الحياد؛وشفافية المكاشفة ؛وهي قيودٌ معنوية ذات سلطان نافذ لامجال لإنكاره؛ومن شأن ذلك أن ينحو بالكاتب منحى التفلسف الصارم؛فتجيء كتابته تبعاً لذلك مصطبغة بقدر غير يسير من التجريد والعقلانية.
والكاتب الملهم هو الذي يفطن إلى تلك المسافة الدقيقة بين الفكر وسلطته؛والوجدان واشتعالاته؛لئلا يفقد العمل الشعري رواءه وتأثيره المنشود؛في المتلقين على اختلاف طبقاتهم.
وفي هذا السياق يؤثر عن الفيلسوف أفلاطون قوله: «أصعب أنواع الصداقة؛ هي صداقة المرء لنفسه».
وهو إلى جانب ماذكرت سؤال زئبقي مباغت؛يفرض عليك التغلغل في بواطن النفس وسبرأغوارها بجلاء؛ حتى تقف على ذروة الضمير (أنا) باحثاً عما استقر في أكنافه من نوازع ومطالب ورغبات.
وفي كل الحالات لامفرَّ من المواجهة؛
ولو في إطار الكتابة الأدبية كما لدى شاعرة النص الذي نحن بصدده.
ولنا أن نتأمل -في مقام الاستئناس- حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الآتي؛ ملتمسين بعض مكنونات ضميره الإنساني؛ونفيه عن نفسه الزكية نزعة الفخر ؛كما قوله:
«أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر؛ وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر ؛وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ؛ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ».
فهو هنا يكشف لصحابته بعض المكارم الإلهية التي اختصه الله بها؛في ضوء الضمير(أنا) ؛اعترافاً منه بالفضل؛وإحاطة أصحابه بمنزلته العليا ؛بعيداً عن الادِّعاء أو المغالاة، أو ما شابه ذلك.
- [ ] وفي موضع آخر نراه -عليه الصلاة والسلام- يكشف لصحابته عن شجاعته في غَزوةِ حُنَينٍ؛متضرّعاً إلى الله أن يمنحهم النصر على الأعداء ؛كما في قوله:
أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ
أَنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ!
فإذا اتجهنابالسؤال إلى شعراء التراث
كأبي الطيب؛وباغتناه بقولنا :من أنت يا من شغلت الناس ؛وملأت الكون شعراً ؟!
سنجد إجابات شتَّى ؛صاغها في العديد من قصائده في نبرات عالية؛ تبعاً للمواقف الدرامية التي اصطدم
بها ؛ كقوله الذائع:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم.
وحينيذ سنستنبط أن نزعة الفخر المتضخمة؛هي الغالبة على تركيبته النفسية؛ وهي التي أملت عليه اعتداده الشديد بطموحات نفسه ؛والتنويه بعظمة مطالبها؛المتمحورة أو المستمدة من عزيمته الصادقة لبلوغ مراتب المجد العالية في عصره.
وقد تتخذ الأنا ثوباً آخر ؛كاستنطاق الكائنات الأخرى من خارج المنظومة الإنسانية ؛كما هو الحال عند حافظ إبراهيم ؛عندما ما تكلم باسم اللغة في عصره ؛مستشعراً مكانتها العظيمة؛وقدرتها على الصمود في وجه العاديات والأراجيف المحاكة ضدها وقتذاك ؛كما في في قوله:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي!
وعلى صعيد التصنيف؛نجد علماء اللغة يصنفون (لفظة أنا) ضميراً منفصلاً مستقلاً دالاً على المتكلم ؛في حين جعلوا لفظة (ياء) ضميراً متصلاً دالاً على المتكلم أيضاً؛إلى جانب ضمائر أخرى معروفة.
والضميران يصبان في نهر واحد من حيث الدلالة؛على مابينهما من فروق وتفصيلات لامجال للحديث عنها الآن..
وفيما يلي بعض الشواهد الشعرية عن ياء المتكلم في مقام حفاوة الشعراء بها؛وما أودعوه فيها من معانٍ نفسية.
قال الشاعر جميل بثينة:
وإني لأستبكي، إذا ذُكِر الهوى
إليكِ، وإني، من هواكِ، لأوجِل !
وعند أبي فراس الحمداني كما في قوله:
وَإنّي وَإيّاهُ لَعَيْنٌ وَأُخْتُهَا
وَإنّي وَإيّاهُ لَكَفٌّ وَمِعْصَمُ!
وعندبشار بن برد كما في قوله:
وإني أقاسي من جهادك خالياً
عياءً فأنَّى لي بأجر المجاهد؟!
وعند بهاء الدين زهير كما في قوله:
وإني ليدعوني الهوى فأجيبهُ
وإني ليثنيني التقى فأنيبُ !
وعند محيي الدين بن عربي كما في قوله:
فإني لكلِّ الاعتقاداتِ قابلٌ
وإني منكمْ مثلُ ما أنتمُ منا!
وعند محمد بن حازم الباهلي
كما في قوله الطريف:
فمنْ شاءَ تقويمي فإنِّي مقوَّمٌ
ومنْ شاءَ تعويجي فإنَّي معوَّجُ!
تلك كانت شواهد يسيرة من تراثنا العربي ؛جئت بها في مقام التعبير عن (الأنا) ؛توطئةً لالتماس مكنونات سؤال شاعرتنا في نصها الذي بين أيدينا.
******************************
تستهل الشاعرة نصَّها القصير المكثف بأداة الاستفهام (من) والمسؤول عنه (أنا)؛فكأنما هي بصدد تعريف الآخرين بشخصيتها الإنسانية وموقعها على خارطة الوجود..
وواضح أن طرفاً ذا صلة ما بالشاعرة تعمَّد مفاجأتها بذلك السؤال الشخصي؛وربما أُلقي عليها السؤال من جهة أدبية أو إعلامية تهتم بشعرها على نحو خاص؛
ورحلتها المتميزة في دنيا الحياة الأدبية
ضمن أسئلة أخرى طرحتْ عليها أثناء محاورتها؛على أنَّ محاولة الاستقصاء عن هوية السائل وصلته ليست بذي بال مقارنة بأجوبة الشاعرة؛وإحالاتها العقلانية الواردة في النص دون التنازل أو التضحية؛بأهمية الرواء الشعري اللازم في بناء التجارب الإبداعية ؛وهذا ما ستسلط القراءة الضوء عليه.
من نافلة القول أن السؤال جاء إليها مباشراً على هذه الصيغة(من أنتِ)؟!
ومن الطبَعي أنَّ مضامين لاعداد لها تنطوي تحت هذا السؤال الحادّ؛فهو -رغم قصركلماته-سؤال مفتوح على خبايا النفس الإنسانية؛ودهاليزها العميقة؛ونوعيتها؛وطبيعتها المتصلة بها؛واهتماماتها الواسعة؛وتعايشها مع واقعها المحيط بها؛ومافيه من أحداث مائجة ومواقف ؛وصولاً إلى استخلاص طابعها المستقلّ الداخل في نطاق رؤيتها الخاصة التي تتميز بها عن الآخرين؛من صُنَّاع الكلمة؛والوعي الذاتي المستقلّ.
- [ ] لم يكن أمام الشاعرة من مفرّوهي في هذا الموقف التأملي؛سوى الردّ الحاسم عليه المتأطر بالشاعرية؛ لا اللجوء مثلاً إلى فكرة التأجيل؛أوالجنوح إلى ماهيات خارجة عن نسيج السؤال ؛فما كان منها إذن إلا أن امتشقت بوصلتها الفنية؛وشحذت طاقتها الزاخرة؛واتجهت في ضوء تسلحها بالبيان والفصاحة إلى السباحة في بحر المكاشفة المركزة الساعية إلى تجلية أحاسيسها؛ونظرتها الوجودية؛وما إلى ذلك من رؤى أشعَّ بها النص.
ويبدو أنَّ الشاعرة استقبلت السؤال المفاجئ استقبال الحائر أي أفق يطرق؛أو أي نخلة باسقة يهزز جذعها؛ لا العاجز المنغلق على ذاته؛ولذلك ذهبت تصوّر معالم حيرتها بما يشبه
البحر المتلاطم الأمواج؛أوالبئر العميقة التي عمد السائل إلى إلقائها فيها.
وكون السؤال مباغتاًحسب اعتقادنا ؛ لايسوِّغ لنا هذا
أن نقول إنَّ الشاعرة كانت قبل ذلك خالية الذهن من سؤال مصيري كهذا ؛ سيلقى عليها؛في عاجل الوقت أو آجله؛
إذ لايتفق تصور ساذج كهذا مع منجزاتها الشعرية السابقة؛بل إن كلَّ قصيدة وجدانية أطلقت سراحها في الآفاق نمَّت إلى الحياة الأدبية ببعض الأوصاف عن طبيعتها؛وحملت إلى المتلقي إشارات معينة عن واقعها؛أوَ ليست القصيدة- في حد ذاتها-في تراكيبها اللغوية قطعاً تصويرية مستوحاة مما استقرّ بين الجوانح من رؤى وتطلعات؟!
لذلك مضت الشاعرة على صراط المواجهة طالبة إلى السائل مشاطرتها الحديث بإعمال الذهن معها؛وتزويدها ببعض المعطيات المساعدة لها على تجاوز هذا الامتحان العاصف الذي هي الآن في قاعته الصامتة؛وحيدة إلامما يمور به وجدانها ؛ومما تزخر به جوانحها ؛ومما تراه متسقاً مع حياتها ومحيطها المعاش..
بعد تلك اللمحات الذكية ؛قررت مجابهة سؤال الأنا على انفراد؛وأن تخوض ذلك البحر اللُّجي؛ومضى بها شراعها الجامح في هذا الفلك؛بين مدّ وجزر؛فالسؤال الواحد الذي أُلقي عليها؛تولَّدت عنه أسئلة أخرى كانت تصطرع في أعماقها؛وظلت تهطل عليها هطولاً لاهوادة فيه؛وحين لاح لها في خضم ذلك؛بصيصٌ من هدأة فكرية؛إن صح التعبير؛
وصفت السؤال العصي الملقى عليها في بداية الأمر أنه (لغز) على سبيل الإجمال؛وطبيعة اللغز الاستعصاء على الإجابة؛وألمحتْ إلى أن حضورها الذهني ساعتها؛واليقظة المطلوبة لمجابهة سؤال كهذا في سبات عميق.
لكنَّها مالبثت أنْ خرجت من دائرة ذلك الذهول الذي بسط نفوذه عليها ؛ وغلَّف منطقها بعض الوقت؛فمضت مسترشدة ببعض تصوراتها تترجم (أناها)؛على أنَّ الحيرة المستبدةماتزال قابضة على مساحات تفكيرها؛ومن هناك انهمرت عليها وطأة التساؤلات الذاتية الحادة؛فوقفت أمامها-والفزع يرسم دوائره حولها- تطالب ذاتها الأخرى المغيَّبة عن الإفصاح لها؛وتعيين طبيعتها على وجه التحديد؛فإذا بنا أمام ذاتين اثنتين انشطرتا ؛الأولى تسأل بإلحاح كالمستنجدة؛والأخرى مطرقة ذاهلة ..
وذلك بقولها:
أأملك حقاً (أناي) وتلك إشارة منها إلا أن الروح من علم الله ؛أم أن مايدور في ذهني من خيالات محض افتئاتْ؛مجرد اسْتِبْدَاد بالرأي؛أو مفتريات؛ترسخت في الذاكرة من عهود مبكرة؛
أم تراني مجرد حلْقة بين ماض أصبح مهملاً منسياً ؛وبين مستقبل غامض؛لاسبيل إلى اكتشاف معالمه.
وهي بذلك تتساوق مع ابن الرومي في قوله:
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها
وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ!
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي
ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ؟!
لقد بدت تلك الأسئلة الشائكة التي واجهت بها ذاتها؛محاصرة لها من كل الجهات؛ولاسبيل سوى المواجهة؛
فمضى بها تيارها العقلاني على شاطئ
(ربــمــا)ومن هناك أرادت تقريب صورة أناها على نحو فلسفي تجريدي؛فوصفت نفسها بنقطة نون؛تعبيراً منها عن تواضعها ؛وأعقبت ذلك بتسميتها (رمـــزٌ لـفـحـوى
الـتيه؛ أو مـعنى الـفواتْ)؛وفي ذلك إشارة منها إلى عُتمة زمن قديم؛ تشكلت فيه؛وإلى ما يتمخض عن (الفوات) من مطالب وآمال كانت تطمح إليها ؛إلا أنَّ الأبواب أُوصدت دونها.
وأملت عليها طرافتها الشعرية المشوبة بقدر من السخرية على نحو من الأنحاء نتيجة ما آلت إليه حياتها الماضية؛ أن تساير النُّحاة مومئة بذلك إلى اسمها المعروف بين الناس(هند) باعتبار جواز صرفه ومنعه طبقاً للقاعدة المعروفة.
ثم رأت أنَّها مجرد فكرة كانت في علم الغيب؛ وعندما همَّت بالتشكل على أرض الواقع ؛ضاعت معالمها بين (رصـــدٍ وانــفـلاتْ)؛وهما حالتان تنبئ عن عدم استقرار الروح ؛وعدم انسجامها مع جو متوتر كهذا..
ولما أحسَّت الشاعرة باستغراق السائل وذهوله وعدم الخروج بشيء مما أفصحت عنه في الإبانات الماضية؛ دنت إليه قائلة:هناك سرغامض ودفين في حناياي؛لم أعلن عنه لأحد من قبل؛وسأخصك به؛وهو ما يمكن تسميته (بالانشطار) أو الانفصال ؛حيث إنَّ لي ذاتين ؛شخصيتين واحدة تراها الآن رأي العين؛ذات كينونة محسوسة ؛ولها كيانها في عالم الحياة؛ومتطلباتها الحِسيَّة؛وأخرى متسربلة بعالم الغيب ؛محجوبة عن أنظار الناس أجمعين؛وهي التي أجنح إليها كلما خشيت العثار؛أو استغلقت عليَّ معالم الدروب؛ووجدتني في مهبِّ الضياع؛لا ألوي على شيء.
هذه الروح أجد عندها الأمن والسكينة؛وأجد عنها الرَّحابة وانفساح الأفق؛وهي وحدها تملك مفاتيح الإجابة الدقيقة عن سؤال الأنا؛وعن سائر الأُحجيات العالقة بذهنك.
ومن أجل ذلك سأدعوها؛وغداً ترقب الإجابة النهائية لذلك السؤال العصي.
تلك كانت جولة خاطفة في بعض معالم النص ؛على أمل أن تتاح فرصة أخرى لاستنتاج بعض سماته الفنية.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله.
___________________