يا لذلك المساء العالق في ذاكرة الجمال حين كانت تمتد تلك الأيدي الطاهرة نحو تخت خشبي صغير ممغر بالأحمر مشرب بخطوط هندسية أنيقة سوداء ، بعد مغادرة آخر قطرات عشية ماطرة حيث تتربع تلك الدلة الحمراء وحولها فناجيل الشاهي اللذيذ ذو الحلاوة الزائدة ، وتتوالى الرشفات عبر شفاه قاست لهيب الصيف طوال النهار ، ويحلو السمر تحت وهج الفانوس القديم ، متوشحاً دمحه بعد أن أنتهى تواً من حركة هوائية قامت بها صاحبة المنزل ،لتخفيف ما تشبعت به فتيلته من الوقود.
سرت أحاديث الجلسة الريفية في العروق قبل الآذان عن يوم حافل بالنشاط ، فأصحاب الجلب ( المواشي المعدة للبيع صباحاً ) لهم حديث وذوي المعجار ( بائعي قصب الذرة ) لهم حديث ومن قضوا يومهم في الصريم والصريب والعطين لهم أحاديث ، بينما تتداخل الأشعار بين غزلية وبطولية وأهازيج لا ينقصها صوت المدادي ولا المولش ( أهازيج شعبية ) وصوت ناقر بفنجانه وتمتمة النساء وتبادل النظرات بينهن خلف شعاع الفانوس الخافت أنساً بما يسمعن وطرباً شجياً تستجيب له الحلي المتأرجحة من ( مسامع الفضة ) المعلقة بآذانهن وأوضاح وصديريات تتماهى مع كل غدو أو رواح أو قيام أو قعود .
لينفض المجلس بعد حكاوي وشرواي لا تنقصها المتعة يصحبهم سكون الليل ، كل إلى داره الدافئ بعد تحايا الوداع.