لقد رأيته كما الصورة التي رسمتها ذات يوم؛ بنفس الطول مائة وخمسة وستينسنتيمترًا، رأس شبه مستدير، شعر مموج، عينين واسعتين، بِنيَةٍ رياضية. لكنّهلم يلتفت إليك، لم تكوني في مجال رؤيته رغم قربك منه. كان يجري وراءرغباته، في طموح خفيّ.
وفجأة دخل في إطار صورة معلّقة في وسط الصّالة. كانت هي بجانبه فيالفستان الأبيض، وهو ممسك بيدها، ويشعّ من عينيها بريق آسر. كنت ترينهبريق الغواية والخيانة ويراه غيرك بريق الحبّ.
كأنه ومضة ثم انطفأت. ثم ركضت صورة من بعيد حتى تجمّدت على بعد ثلاثةأمتار، مشهد للفارس الآخر؛ ذلك الذي انتزعت صورته من تلك المجلة ثملصقتيها على تلك الصورة المرسومة، كان أكثر وسامة من الأول. عندما ظهرفوق جواده كان يردفها خلفه وكانت في لباس من الكتّان السماويّ يليقبفارسة!
وأنت تنظرين ملء البصر وقلبك يصطخب كالأمواج وتكاد عظام صدرك تتكسّر. يومها رغبت في فقئ عينيها الشيطانيتين اللتين رمتاك بشرر. وفي اللحظةالتي تناولت فيها القوس وأنت تشكّين النبلة؛ لم تري إلا الغبار يملأ المكان.
وعادت صورة أخرى لرجل آخر، هاهي تطفو أمامك، يسبح فوق مياه لازورديّة وأنت فوق رمال الشاطئ الذهبيّة تتملّين فيه، بقيت مترددة وأنت في مكانكوبعد زمن كاد يكون طويلا قفزت إلى الماء وفي تلك اللحظة أخرجت رأسك منه،فصدمتك رؤيتها؛ كانت تعانقه، بدت كحوريّة!
تمنيت لو تصبحين تسونامي فيزمجر عاصفًا بهما، شعرت حينها بالبحرينفلق لهما وهما يهربان ثم أغرقك الطوفان.
-صباح الخير مامي!
لم تسمع..
فألقت نفسها عليك وطوّقت عنقك بيديها الصغيرتين، ارتعش جسدك، فركتعينيك لتخرجي دفعة واحدة من ذلك الكابوس، ضممتها إليك بقوة وكأنكتتأكّدين من وجودها ووجودك:
-حبيبة ماما.
احتواها حضنك الحائر
، حملتيها فوق كتفيك وأنت تخرجين من الغرفة. وجدت نفسك في مرسمكوكانت اللوحات الثلاث هناك، واحدة معلّقة على الجدار بجانب النافذة وفيهاعناقهما في لجّة البحر وفي الجدار المقابل تتدلّى صورة الفارس فوق جوادهوهي تطوّق بطنه.
وفوق الحامل الخشبيّ ذي الثلاثة أرجل، صورة في الإطار الذهبيّ وهي معهترفل في الأبيض!
تنفّست الصعداء..
لقد سئمت اللوحات وحدتها فأبت إلا التسلّل إلى نومك؛ هناك حيث تحلمين بهفي عدة أطوار، ولكنه بذر في رحمك "أحلام" ثم تلاشى كدخان. ربما ترك لكالذكرى ليوم يرجع فيه من موانئ الشتات، حينها ستلتقيه ومعك أحلام عمرهالضائع في المرفأ الأخير.