مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
ــــــــــــــــــــــ
بعد موتي:
قد يحزن بعضهم، لكن لن يمتد الحزن طويلا
فلا فرحٌ يدومُ ولا سرورٌ ولا حزنٌ عليك ولا رخاءُ
فالحياة تجرف الناس في خضم أحداثها
وتغرقهم في تفاصيل تخصهم، أكثر من ذلك الذي غادرهم،
فالإنسان ينسى، ويسلو سلوَّ البهائم.
لكن:
لن يهمني ذلك، مَن حَزِنَ ، ومَن بكى قليلا ، ومَن بكى كثيرا، ومن تبسم خفية… فالأمر سيان عندي.
بعد موتي :
لن يهمني من افتقدني، ولا من تذكّرني؛ لأنه سيكون عندي ما يشغلني حينئذ.
سأفكِّر في نفسي ومآلي، وليس شيئا غير ذلك.
فليس هناك منطقة وسطى، ولا بقعة رمادية ؛ فالمتاح -حينئذٍ- خياران، لا غير.
بعد موتي:
سأدرك أنني أنفقتُ وقتا كثيرا لدى مَن لا يستحقون، وسأفهمُ أنني أضعت جهدا كبيرا عند من لا يستأهلون، وربما أعطيت من لا يُقدِّر، ومنعت المستوجب.
بعد موتي:
سأعلم أنَّ بوادر الأمور توحي بعواقبها، ومقدمات الأشياء دليل على نتائجها؛ فلا يليق بي حينها أن أصرخ: ربِّ ارجعون ؛ لأن “كَلَّا” ستنتظرني.
ولكن يليق بي أن أقول لربي: أقمِ الساعة؛ لأنَّ ثمة سعادة آجلة تحثني لأنْ أطوي العاجل؛ لأبْلُغَها.
بعد موتي:
حينما أوسَّد في التراب دفينًا، بِيَدِ مَن لو رأى على ثيابي ذرة تراب -إبان حياتي – لنَفَضَها، ثم أدخُلُ الامتحان المكشوف ، لأجيب عن أسئلة معروفة ، ويأتي الممتحِن ليمتحن الممتحَن ، ساعتئذٍ تتمايز المواقف ، وتتباين الصفوف ، فليس ثمة منطقة وسطى للخلود فيها ، فالخيار المطروح من طريقين فقط.
بعد موتي:
ربما يُقام لي عزاء، وربما لا، ربما يقام لي تأبين، وربما لا، ربما يعدِّدون مآثري إن وجدوها تستحق، واقتنعوا بها، وربما لا؛ لأنهم سيكونون صادقين جدا، وسيقولون ما آمنتْ به قلوبهم تجاهي ،لأنه ليس هناك مجال للرياء، ولا مساحة للنفاق، ولا مكان للخوف، فسيقولون ما لم يكن ليقال بألسنتهم، وأنا بينهم.
بعد موتي:
ستختفي كل تلك الألقاب التي وصفوني بها: الأستاذ والأديب والكاتب والمربي والمعلم، وأبو فلان، وابن فلان …
سيبقى اسمى واحدا، وهو المرحوم فلان، سيتفقون عليه بعد موتي، كما لم يتفقوا في حياتي .
كل ذلك لا يهم كثيرا؛ فأنا أمام طريقين، فليس ثمة منطقة رمادية، وليس هناك مكان ثالث.
حبيبان.. رَقَّا كهمسِ الطيورْ
كنبضِ القلوبِ، كعطر الزهورْ
ومثلُ ابتساماتِ فجرٍ َدنا
ومثلُ النسيمِ شدا في البكورْ
وكالـمُزنِ يَهميْ بأحلَى المُنَى
كثغرِ الأصيلِ يُناجي البُحورْ
حبيبان.. لاحا كطيفِ الرُّؤَى
هما كالشذى، كأريجِ البخورْ
==========
أبداً تسافرُ والدُّجى تمثالُ
لا أنتَ أنتَ ولا هواكَ يُنالُ
أتلمَّسُ الأطلالَ ألثمُ ثغرَها
ويهيمُ في لغةِ الرِّمالِ خيالُ
عيناكِ كمْ كانتْ هنا تغزو دمي
وهزائمي في ناظريكِ جلالُ
ويداكِ تنسجُ أضلعي وصبابتي
مرَّتْ بروحي كالشَّذا ينهالُ
وتُعيدُ ترتيبَ الدُّجى في شعرها
كالضَّوءِ راحَ بفرعِها يختالُ
هذا دمي يسعى إليكِ مدلّهاً
يُغريهِ من وَلَهِ البنانِ دلالُ
خَضَبَتْ بهِ كفَّ الهوى فكأنّهُ
شَفَقٌ يغيبُ وعاشقٌ يُغتالُ
أياغرامَ الهوى إنَّ الفؤادَ سَلَا
لِأَنني كلما آويتُهُ جَفَلَا؟
عني توارى وقلبي واجفٌ وجلٌ منه..ودمعي على خدٍّ لهُ هَمَلَا
قد كان يأوي إلى روحي التي نطقتْ
به الحنايا ولا تبغي له بدلَا
له اقترابُ الجفا..بِهِ ابتعادُ الوفا
سيانِ عندي وقلبي يَجْرَعُ العِلَلَا
هلْ باعَ مني أسى الدنيا ليتركني
أمامَ زهوٍ لها أستنزفُ الخَجَلَا؟
يعدو إلى وحدةِ الأحلامِ مقْتنِصًا
مني هدوئي لِأبقى
بالمنامِ فَلَا
يكتظُّ حولي عَجاجًا كي يشاركَني
رمائمًا تكتسي من ضَعفيَ الوجَلَا
مِنْ بأسهِ أحرفي صامت برُمَّتِها
عني…وآهي نَمَتْ في داخلي جُمَلَا
لا يرعوي حينما تجتاح أوردتي
غوائلُ الهمِّ إلا زادني نَغَلَا
أَمَا سبى عقلَ مجنونٍ يهيمُ به
مُذْ كان غضًّا رقيقًا يشبه الحَمَلَا ؟
وإنْ أردتُ جوابا شافيًا نَكَصَتْ
تساؤلاتُ الصدى في ذاتِ مَنْ سأَلَا
أهكذا يعتري نورًا رسمتُ به
مخابئًا أرهقتْ من ضوئها مُقَلَا؟
ماذا أُبرِّرُ أمْ كيفَ الوصولُ إلى
متاهةِ التيهِ مني والمكانُ خلَا؟
نعم جنوني أتاكَ اليومَ يحملُني
على لُحُونِ البِلى كي يُرْقِصَ الأمَلَا
وفي لساني نعمْ تجري مُقارِبَةً
تَبَاعُدًا قَدْ حوى بين الضلوع أَلَا
فهلْ سيأتي مع الأيام عَرْفُ رضًى
يعيدُ ذكرى حبيبٍ طالما قَتلَا