ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعر في تعريفه القديم هو الكلام الموزون المقفى ، فقد اعتمد هذا التعريف على ركنين أساسيين من أركان الشعر وهما الوزن والقافية ،ويفرق التعريف بين نوعي التعبير الإنساني أو الصناعتين كما أسماهما أبو هلال العسكري :الشعر والنثر، لكن الشعر يتعدى ذلك ويشتمل على عدة مقومات وأركان .
الشعر أرقى أنواع التعبير الإبداعي الإنساني ؛لأن قائله يتمتع بالقدرة على التعبير وإن تساوى الناس في الإحساس .
اختلف النقاد حول البواعث الفنية التي تدفع بالمبدع للإبداع ؛ فردّها علماء النفس المحدثون لنزعة التعبير عمّا في النفس الإنسانية ؛ لأن الإنسان بطبعه مفطور على التعبير سواء في لوحة أو قصيدة أو رواية ...
الإحساس ظاهرة مشتركة ، لكن تميز الشاعر يكون في عمق التعبير لا في عمق الإحساس كما يقول الشاعر صلاح عبد الصبور.
القصيدة نتاج لتجربة علقت في ذهن الشاعر ؛ فهي تخرج إلى حيّز الوجود بعد مرورها بمراحل توليد متعددة ، وكما قال الشاعر السوداني محمد عثمان كجراي : إن أصعب ميلاد هو ميلاد الحروف.
هذه الصعوبة تنبع من المعاناة التي يمر بها الشاعر ، وكما يقولون إن المعاناة تولد الإبداع ، لكن الأديب الطيب صالح يقول : "إن المعاناة في الحياة يخرج عنها أدب ، لكن يجب ألا تتعدى المعاناة حدا تصبح فيه غير محتملة، وإذا بلغت المعاناة حد المحنة ، فإن المحنة تصبح غير قادرة على إنتاج الإبداع "
تبعا لتغير نمط الحياة وتغير حالة الشاعر والمتلقي فقد تنوعت قوالب الشعر بدءا بالشعر العمودي الذي يلتزم بالبيت الشعري والقافية والرويّ ، إلى شعر الموشحات في الأندلس مرورا بالشعر المرسل وليس انتهاء بالشعر الحر وقصيدة التفعيلة القائمة على نظام السطر الشعري.
كما تغير قالب القصيدة فقد تغيرت أيضا عناصرها، فقد ثار أبونواس على المقدمة الطللية المكررة في الشعر القديم ، قائلا:
قل لمن يبكي على رسم درس واقفا ما ضر لو كان جلس
وفي ذلك تعريض ببيت امرئ القيس أطلال:
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وبمن كان يبدأ قصيدته بالوقوف على الأطلال من الشعراء.
وشطّ أبونواس بعيدا حين طالب بوضع مقدمة أخرى، وهي وصف الخمر:
صفة الطلول بلاغة القدم فاجعل صفاتك لابنة الكرم
دراسة الشاعر مثل دراسة الشعر ؛ إذ يرى بعض النقاد أن معرفة الدارس بالسيرة الذاتية للشاعر تعين على عمق المعرفة بتجربة الشاعر وشعره ، ونجد كثيرا من الكتب النقدية عنونت بهذا المضمون :"ابن الرومي حياته وشعره" و"امرؤ القيس حياته وشعره" ...
سؤال آخر ظل ملحا على النقاد وهو: هل ثمة ما هو شعري وغير شعري؟ في الموضوعات ، وفي المفردات والتعبيرات؟
الكلمة الشعرية تختلف عن الكلمة المعجمية ؛ إذ تحتمل إيحاءات وظلال تمتد لتجعلها تستوعب معاني عدة .
لكن بعض النقاد يرون خلاف ذلك ؛ إذ يحكمون على الكلمة بأنها شعرية أو غير شعرية إذا تناسبت مع بقية الكلمات وكانت معبِّرة في نسيج السياق الكلامي.
ويبقى الشعر مؤثرا ومعبرا ومترجِما وحاملا للريادة والسبق متقدما على جميع أنواع التعبير الكلامي .