بعيدًا عن أعين الناس يجتمع مع أصدقاء مهنته ليلاً في صندوق شاحنة كبيرة؛كي يتسامروا في جوف الظلام، جمعتهم الأقدار قبل الأقدام ..كل منهم يحمل رداءه و"طراحته"،وإن شئت مخدة,والتي هربت من ظلم حاطب ..كل هذا وأكثر في ليلة حراسة على معدات ثقيلة بين إطارات عريضة وزيوت التشحيم ووظيفة يقتاتون منها شركة معدات ثقيلة،جزء من رواية حاطب الليل..الذي تحدث بغصة في حلقه،وأطراف الشيب تحكي سنين طويلة وتجاعيد تروي مرتّب التقاعد الذي لم يعدْ يغطي مصاريف أسرته ومصاريف مدارس أولاده ناهيك عن بعوض قارس ينهش ماتبقى من جسد ذاك الحاطب الذي يسامر،ويمازح ويتغابى ويتغافل عن تصرفات شباب متهور يغطي اللحظة بضحكة صفراء ؛بغية خلق جو من الأنس.
الأصدقاء الذين يسلّونه في صبره على تلك الوظيفة الشاقة ..
هؤلاء المساكين هم ضحية شركات تمنحهم ما يقارب الثلاثة آلآف ريال،وتحفزهم بالتأمين الصحي،وتبلغهم بأنهم تحت التجربة في ظل نظام التوطين الإلزامي و"السعودة المطفشة" التي تجبر العامل السعودي على العمل ثلاثة أشهر دون مرتب؛كي تختبر حرصه وانضباطيته.
تنتهي فترة التجربة ، ها قد مرت وكأنها سنوات .
انتظروا الراتب الأول وهم يمنّون النفس بالمرتب المنتظر وإن كان زهيدا ، لتقع الصدمة ..أخرج المحاسب المسيّر وطلب التوقيع على مبلغ"١٠٠٠"ريالاً
استشاطوا غضبًا،وثاروا قهرًا..وبدأت الشكاوي...
لم يجدوا غير توجيهات عائمة من الجهات المختصة ليبقى السؤال العريض:
"أشكي لمين..؟!"
مساء ذلك اليوم الكئيب الحزين..اجتمعوا ..من جديد ككل ليلة في صندوق الشاحنة..أرادوا أن يبثوا همهم لصديقهم العسكري المتقاعد .. لعلهم يجدوا حلاً تجود به خبرته الطويلة .
وجدوا الصديقَ حاطباً مشغولاً بهمه الخاص ، كان يكتب معروضاً يطالب باسترجاع سنوات خدمته العسكرية،رغم ركاكة أسلوبه،وأخطائه الإملائية..التي كانت تجد التصفيق والتأييد من قلوب هؤلاء البسطاء ،والتي امتلأت مرارة على ضياع السنين،ورحمة شركات الاحتيال!
تمرّ الأيام ، ومازال المعروض على طاولة المسؤول،على رواية حاطب،وربما كان خلف القضبان بتهمة الفساد،أو لعله أصيب بـ"الربو الشعبي"نتيجة الأتربة اللاصقة فوق الرفوف،وعدوى المعاملات!
قرر حاطب ورفاقه الاضراب عن العمل،فماكان من الشركة إلا أن استغلت الحدث وجلبت عمالاً من خارج الوطن بمرتبات زهيدة"وقد احتفظت الشركة بسجل حاطب،ورفاقه؛حتى تكون حجة لها أمام الجهات الموقرة.
عاد حاطب ليصدم بالعمال الأجانب الجدد..في مخالفة صريحة لقوانين وأنظمة العمل والعمال .
وكلما اتجه إلى جهة ما للشكوى ..لا يجد سوى :المكتب مقفل بحجة لأن المسؤول في :
جولة ميدانية
أداء الصلاة
إجازة مفتوحة
اجتماع طارئ
انتداب خارج المدينة...الخ
أساليب لا تنتهي من التصريف المدروس،والتملّق المدسوس في سمّ المثالية التي لاتعرف غير البشت،والسواق والغداء زاهب!
قرر حاطب استخراج تقرير طبي كاذب حتى يتمكن من الحصول على إعانة الضمان الاجتماعي "٨٦٤"ريالاً .
فيما قرر أحد رفاقه احتراف"مشقة الطرق البعيدة"برتبة"كدَاد"..والبقية"..منهم من قضى نحبه،ومنهم من ينتظر؟!"
نسيت إخباركم تحتفل"معاملة حاطب" بعيد ميلادها الثالث على سرير متهالك،تنتظر القبول ليتم عبرالإخلاء الطبي .. على أمل أن يصل قبل أن تفارق الحياة .