✍️ "غَبَش"
تتسللُ عَبر حقل بلّلَه الندى. تطرقُ الباب طرقات متسارعة.
يَفْتَحُ لها الباب، يساعده غلامه بوضعها على السرير.
رائحة الغرفة نتنة، يمسح العرق عن جبينها ويدلك بطنها.
تُرسلُ صرخات حادة، يأمرها أن تعض على فوطة بيضاء.
يقومُ إلى الإناء الساخن،ويفركُ يديه بصابونة.
تواصل زفراتها ، تشعرُ بالطّلْق، تستجمع قُواها، تحاول أن ترغمه على الخروج.
يبرز رأس الوليد، يثبتها الغلام وراح هو من تحت اللحاف يسحب الجنين.
يقطع حبله السري بلطف ويضعه في الحوض.
تعود الأم إلى السكون، بدت شديدة الشحوب...
تسترد بعض عافيتها، تلقي نظرة أخيرة على مولودها، تقبض الثمن... وتغادر المكان!.
محمد علي مدخلي
✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿✿
الغُبْشَةُ ، والغَبشُ( دُلْجةُ مواربة أوهي نورٌ موارب يحل قبيل طلوع الفجر ، قل : هو لون رمادي مجدول منهما ) لذلك لا تتبين العين حقيقة المرئي ..والغَبَش قد يكون صفة للعين التي ران عليها شيءٌ مما يحول بينها وبين تحقُّقِها من المنظور ...فقد يرى الإنسان في هذه المدة الزمانية المواربة الأشياء على غير حقيقتها ، ويصح القول هذا في من على عينيه ( غبشٌ أو غُبْشة ) ...
النص يقوم على هذه المفارقة الناتجة عن :
(التعاطف / البغض ...او المحبة والشفقة في مقابل الكره والمعادة ...)
نجد ذلك في تعاطف القارىء مع إنسانة حملت -لأي سبب كان شرعيًّا او غير شرعي- وهي تسير خائفة ثم يطبق عليها الألم بفكيه
( تتسلل /تطرق الباب طرقات متسارعة / ترسل صرخات / تعض على فوطة بيضاء /بدت شديدة الشحوب...)
ونجده عند انكشاف الحجاب عن العقل ، وعن عين الراصد للحقيقة ، حين يرى أنها تحمل لتبيع مولودها الى جزار بشري ...فيتحول التعاطف الى نفور واشمئزاز وبغض وسخط على هذه الشيطانة التي تجردت من قيمة هي من أعظم القيم لدى البشر ( الأمومة )...
هذه المفارقة القائمة على (التغبيش ثم التجلية أو التعاطف ثم المعاداة والكره )نجدها حتى مع هذا الجزار الذي استقبلها مع غلامه ففرج عنها ، وساعدها ، وقص للطفل الحبل السري ، ثم يدفع الثمن لتلك المجرمة لتواصل الحمل والبيع...
نتعاطف مع هذا الشيطان في البداية ثم نقذفه بأبشع جارح الكلام ونحن نقرأ ...
النص مأخوذ من عالم (مافيا الطب )، الذي أصبح يتاجر بأعضاء الإنسان لا سيما الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة ...
والنص يشير إلى (عالم مادي) خالٍ من الإنسانية والرحمة ، تتسيد النقود فيه كل قيمة ، وتتقدم أهميتها على كل شيءمهم وجميل كالأمومة ، والطفولة ، ومهنة الطب الإنسانية الشريفة التي وجدت لمساعدة الإنسان والمحافظة عليه لا الى تحويله الى سلعة تباع بالأجزاء /المفرق ،أو الجملة ...
إنه (غبش الحضارة المادية المعاصرة) ، إنه الدموية والشر في أقصى مدىً له ، إنه الألم الذي لا نهاية له لمن تبقى في قلبه شيء من رحمة او اتسم بشيء من الإنسانية ...
والقصة (نداء مدوٍّ للإنسان الغربي والشرقي )اللذين يملكان القوة المادية والعلمية أن يصححا البوصلة ، فالمال ، والعلم يخدمان الإنسان والقيم ، ولا يُسَلِّعان الإنسان ويطوعانه خدمة لأغراض مادية او علمية شريرة كبيع اعضاء الإنسان او استنساخه ...
أَيُّ غُبْشَةٍ هذه وأيُّ غَبَشٍ....يا الله ..!
نص ممتع ومع قصره إلا إنه فضاء يتسع القراءات ....
شكراً محمد علي هادي مدخلي .
عبدالله مذكور
٤٢/٤/٢٠
٢٠/١٢/٥
✿✿✿✿✿✿✿✿✿