صنعتُ كوباً من القهوة السعودية بنفسي ، وأخذتُ كتاباً من مكتبتي الصغيرة الجميلة ، ومعه قلم الرصاص ، ونفضتُ عنه غبار البعد بعدما هجرتها زمناً وجلستُ اتأمّلُّ بعمق وهدوء صفحاته وامسكها بيديّ واشمُّ رائحتها النفّاثة القديمة وهي تصنع بلطف رائحة الثقافة وقيمة الكتاب ، وقد مُزِجت برائحة قهوتي ، واحتسيتُ رشفةً سريعةً ، بعدما قرأت ما شاء لي منه أن اقرأ منه وأغمضتُ عينيّ للحلم للعمر للحاضر للمستقبل ، والعصافير تغرّد للصباح في شجرة الياسمين التي تظّلُ بيتنا ، والشمس تتخلل أوراقها ، وتلاعب الغيم ونسمات الشتاء قادمة من بعيد ، فاستنشقُ الهواء العليل ، وهو يكتب فصلاً جديداً في فلسفة الحياة ، وقمتُ أُسقي وردات الشرفات العالية ، وزهور الأحواض الرائعة أذكر الله وأصلي وأسبح باسم ربي العظيم ، وأسلّم على والدتي عند كل صباح ، واحدثها ، وتحدثني طويلاً فلا نكاد نفترق ، وكأنها عادت لنا ذكرياتنا ، وعدتُ طفلةً أعشق كل تفاصيل الحياة ، ومن هذه اللحظة لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تستهويني كثيراً وهجرتها زمناً بعدما شعرتُ بأن الحياة بعيداً عنها أجمل بكثير من حياتها الافتراضية التي فرضها إيقاع الزمن المتسارع ، وعدتُ لحياتي ، وهوياتي من قراءة الكتب وكتابة القصص ونصوص المسرحية ، والمقالات وعدتُ لرياضة المشي ، وعدتُ لمكتبتي وأوراقي وأفلامي وذكرياتي وأحلامي ومشاريعي الصغيرة وانجازاتي التي تحققت والتي لم تتحقق ؟!
ما أجمل أن يعيش الإنسان تجربة ذاتية جديدة يشعر معها بالتغيير والراحة التي سلبتها وسائل التواصل !
ويبتعد عنها فترة ليست محدودة بوقت أو بزمن ، ويعود لنفسه وحياته التي فقدها بسبب تسويفه الطويل ، ولهثه خلف عوالم التقنية التي لا فائدة من التعمّق فيها إلا اضاعة للجهد والوقت للأسف ؟!
لكل شخص فينا فلسفته الذاتية المبنية على قناعات شخصية ودراية ومعرفة بذاتنا وهي ركن أساسي في تلك الفلسفة الذاتية ، فنحن في العادة نقرر ما نريد من الحياة بعد تفكير عميق ويكون ذلك مرتبطًا بطبيعة البيئات التي ننتمي إليها ونوع الثقافة التي نحملها إضافة إلى مدى رغبتنا في معارف جديدة وبناء قناعات لم نكن نعرفها سابقاً ، فكل ما سبق هو جزء من فلسفاتنا الخاصة والتي تعني أننا نعيش وفقًا لهذا النمط دون غيره وهذا ما يدفعنا هنا للتعرف على فلسفة الحياة اليومية وضرورتها في حياتنا من خلال التعرف على أهم ما يجب أن نقوم به كي نستطيع بناء فلسفاتنا الخاصة بنا ، وليس من الضروري أن تعجب البعض ولا تعجب البعض الآخر فالحياة مبنية على الاحترام وإن أختلف أطرافها .
فكرة أخيرة :
الكثير من رسائل العتب من الصديقات والقريبات والأخوات على هاتفي بعد عودتي ولهن حق العتب وحق الرضا ولكنها فلسفة الحياة والعودة للذات .