قرأت في إحدى الصحف خبرا يقول <إن بناء أحدهم يكاد يسقط .. انتهى الخبر أو كاد .. توقفت طويلا أمام كلمة بناء ، هذه الكلمة التي تبدأ بحرف الباء ذلك الحرف الانفجاري القوي قوة البناء ،يتلوه حرف النون المتناغم تناغم البناء ، يتوسطها حرف الألف الممدودة التي تشير إلى علو البناء وشموخه ، ثم تنتهي بحرف الهمزة المتطرفة الثابته التي تدل على ثبات البناء وتماسكه . توقفت أخرى ، فوجدت أنه كلما كان البناء ثابتا في أساساته ، متماسكا في أركانه ، زاهيا في ألوانه دل ذلك على مدى تفوق الباني وحسن درايته . وبالتالي ينال الرضا عن نفسه والحظوة عند غيره . كان كلامنا فيما سبق مُنصبًّا على البناء بمفهومه المادي ، فإذا ماانتقلنا إلى الجانب الآخر من الكلمة ، ألفينا بناء ذا طابع خاص إنه بناء شاق ممتع ، إنه بناء الإنسان . ومن أهم من تصدّى لهذا النوع من البناء أناسٌ بذلوا أنفسهم فداءً وفكرهم عطاءً لهذا البناء إن دور المعلم لايقتصر على المعلومة داخل حجرة الصف أو خارجها بل إن دوره الحق هو تأسيس معاني سامية وأفكارا جليلة في نفوس تلاميذه ،هي في مجملها معاني الحياة التي ننشدها ؛ ليستطيع الطالب -إذا ماخرج إلى العالم- أن يجابه الأفكار الدخيلة ،ويميز بين الغث والسمين بفكر نير وبصيرة نافذة ،وبالتالي يحيا كما أراد له خالقه . ولو دققنا النظر أخرى لوجدنا بناة أفذاذا عظماء بنوا الإنسانية في مهدها الأول ، ونشروا السلام والعدل والخير بين أبناء البشرية جمعاء. وأعني بهم الأنبياء عليهم أفضل صلاة وأتم سلام . إلى أن جاء أعظم بانٍ عرفته البشرية جميعها فكان بناؤه بحق أمثل بناء ؛ لأنه بناء رباني خالص ، لهذا تكفل له الله جل شأنه بالصمود والدوام وإن هبت الأعاصير ، أوزمجرت أنواء الزمان . وصدق معلم البشرية حين قال :- (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) .