مع تنهداتِ قلبٍ حزين، ووسط سحائبِ الوجع وبجرحٍ بالغ النزف كانت تصرخ وتنتفض باكيةً، لا تريد الزواج . تريد اتمام دراستها كزميلاتها. لكن القرار صدر وأُعلن الخبر ولامفر !!
هي غادةٌ صغيرة حلوة، تضحك الشمس في وجهها الصبوح ويخجل القمرُ من سنا عينيها الساحرتين.
في ربيعها السادس عشر، كان ثوبُ زفافها مشتعلاً بحرقة قلبها ،وروحها تتمزقُ عاريةً من طفولتها وأحلامها البريئة !
كانت زهرةً فتيةً ترتعدُ ذعراً لمتعةِ رجل! فلم يحن قطافها بعد !
وكان العريسُ طبيباً يشارُ له بالبنان .ويكبرها بمثل عمرها!! والعمرُ لن يُعيبَ رجلاً أرفق صكَ الزواجِ برصيدٍ بنكي معتبر !!
ولكن للحياة سننٌ وقوانين، وقرائن ودلائل، ولا يصحُ إلا الصحيح.
فبعد أشهرٍ قليلة طُلقتْ !!
كانت براءتها جريمة، وحياؤها غباء وحداثة سنها إثم تتحملُ هي وزرها!!
هُدِرَ دمها، وسارتْ حافيةً على الأشواك !
وعادت كسيرةً مذهولة إلى حصنٍ تحرسه زوجةٌ شرسة، ليست أمها، وما زالت أوراقُ نعوةِ أمها ملصقةً على جدران الحي!!
وفي خضم آلامها وأحلامها الهاربة، ظهر سيدٌ جديدٌ على الأفق. كان شاباً ضخماً بدا أنه محبٌ وشجاع، ومع براءة عينيها وخوفهما لم ترَ فيه سوى عضلاتٍ منفوخة ووجهُ غبي!!
طاعنةً في الوجع ومضرجةً بماءٍ آسن، اعترضتْ وألحت وبكت، لكن والدها وزوجه لم يسمعا أنين روحها ولا شكوى قلبها المكلوم !!
وهُدر دمها مرةً أخرى وسارتْ على الأشواك ثانيةً.
الفارس الجديد لم يكن أنيقَ الأخلاق، لكنه أحبها وغار عليها بجنون.حاصرها بخنجر العشق والشك وأصبح مهووساً يراقبها ويحاسبها بسبب وبلا سبب ثم تحول إلى وحشٍ كاسر يضربها بلا هوادة، ثم طلقها عنوةً وبتهديدٍ من أبيها.
وعادتْ هذه المرة كسمكةٍ شارفت على الاختناق تنظر مذهولة !!
ومع تفاصيلِ يوميات مرعبةومزعجة حاولتْ اتمام دراستها وجاهدتْ لنسيان زوجين جمعتْ بينهما صرخاتها المخنوقة.
بعد انقضاء عدتها، كان إبن عمها بالمرصاد ، ينتظرها بشغف بعد أن طلقَ زوجه !!
نسيَ والدها او ربما تناسى أن ابن أخيه عصبي المزاج، سريع الغضب ونوبة واحدة تحيله إلى بركانٍ يستحيلُ معه الحياة !!
ماذا تفعل..؟؟
في حناياها أشياءٌ تنتحب وأشياءٌ تأبى أن تموت وأخرى ماتت تاركةً ذكرياتٍ حدَّ الموت..وأخيراً، لجأت إلى عمتها مقرورةً مقهورة، وضعتْ رأسها في حضنها وبكتْ، بكتْ كثيراً.وبعد ساعات، تمددت على السرير وجسدها ينتفض كعصفورٍ مبلل وهمستْ بصوتٍ حزين متقطع: عمتي، دثريني، دثريني.. وراحتْ في سباتٍ عميق !!