شكلت الرواية السعودية ملمحا إبداعيا أدبيا وسرديا ملفتا فقد نافست الرواية السعودية على الجوائز العربية وفازت ومن الروايات السعودية مايشار لها بالبنان
وبين يدي القراءة رواية " حيموت" للروائية والقاصة السعودية / فاطمة الدوسري / وهي رواية اجتماعية إنسانية صدرت عن مجموعة تكوين للطباعة والنشر . السعودية /١٤٤٣
جاءت الرواية في مائتان وعشرون صفحة من القطع المتوسط
الرواية تحكي قصة البطلة " حيموت" التي عاشت طفلة مدللة من أبيها وبعد وفاة أبيها لاقت من أخيها" صايل" الاستبداد فتهرب إلى لتكمل دراستها وتنال الدكتوراة في الكيمياء.
الرواية تصف الحياة البدوية والعلاقات الإجتماعية فيها لتنقل لتصف الحياة المدنية بعلاقاتها المتشعبة تركز على الرواية على المرأة وقوتها ومعاناتها وقدرتها على خلق حياة مغايرة.
أولا العنوان: لفت نظري وأحببت أقف عند عتبة العنوان بوصفه نافذة للدخول إلى عوالم النص الداحلية ومضامين رسالته ومن الملاحظ أن العنوان مأخوذ من اسم بطلة القصة " حيموت" وحين التأمل في العنوان يلحظ أنه مركب " حي +موت" وكأنها النص الروائي يخلق من الموت حياة ويتحدى الصعاب فيخلق حياة مغايرة ( وقفت أنا والداية في حيرة كيف نبلغ والدك بوفاتها وقد سكن منها كل شئ، ثم ونحن نلف اللحاف من عليها شعرت بحركة تحت يدي هناك شئ يقاوم الموت بصعوبة، بحركة لا إرادية وجدت الداية تحدث ثقبا في بطن الجثة المسجاة ، أخرجت جنينا هزيلا لم يصرخ كنت أنت تلك الصغيرة) 42
وأيضاو:( كنت أتساءل في حيرة إذا لم أكن حيموت ماذا يمكن أن أكون) 77
فالعنوان يعكس قوة الشخصية ومقاومة الموت وخلق الحياة برغم الصعاب والعراقيل
فالعنوان اختزل خطاب عكس رغبة الخطاب في الكشف عن مكامن الشخصية ومراحل حياتها وكشف عن قوة إراد بطلة بطلة القصة في خلق حياة مغايرة وانتشال حياتها من بين براثن الفشل والموت والخيبات والسيطرة لتصنع لذاتها حياة فيها الانطلاق والمكانة والتميز .
ثانيا الشخصيات:
لايخفى على أحد ما للشخصية الروائية من أهمية ( فهي عنصر مهم من عناصر بناء الرواية الحديثة، لأنها تصور الواقع من خلال نموها التدريجي ، إذ تقدم حياة الناس بحيوية وفاعلية، لذلك لابد للشخصية أن تكون قادرة على الصمود أمام حركة الزمن المستمر فيبدو وكأنها تعيش في كل الأزمان على قدم المساواة ودون أن ينال منها الزمن)
ومن خلال ماسبق يمكن القول أن الخطاب الروائي رسم الشخصيات بإتقان وتوازن ليحدث الصراع والتأثير ذلك الإختيار
- شخصية البطلة " حيموت"
جاء هذه الشخصية تلك الشخصية القوية والمدللة والتي اكتسبت الصفات القيادية من أبيها شيخ القبيلة " مترك " (في المساء أجمع البنات وأنشئ مدرستي الخاصة على ضفة " إحدى الخباري" المائية الصغيرة، يجلسن على الأرض وأفعل مثل ماتقوم به المعلمة في الصف؛ أردد المفردات التي درستها عليهن البعض يضحك وأخريات يتعلمن.)
وهي شخصية مثابرة مكافحة لاتستسلم للعقبات والصعاب ولا للعواطف فهي ليست ك(رقية) التي ستترك التعليم للزواج وبذلك تخلق من الريفية البدوية إلى امرأة متحضرة ( في أحد الأيام قالت لي معلمتي إن للحياة محطات اختبار وتجاوزها ليس بالسهولة وشجعتني على عدم التوقف عند أي محطة والإصرار والصبر على التحديات) ص٥١
- ولاتستسلم لعواطف لتشير إلى المرأة القوية وذات الضمير الحي والملتزمة أخلاقيا والمطيعة . ( تحاول أمي أن تضع كل المساوئ كمسكنات تجعلني أفكر في الزواج منه...... هل أخبر أمه أنه يريد أن يتزوج مني؟ يا الله هل كرهني لأنني تركت يدي في يده دون أسحبها بسرعة ؟))ص ٨٠.، ٨٤
لقد قدمت الرواية شخصية المرأة بأنها شخصية رفيعة مقنعة حساسة فأحالت الضمائر إلى النساء التي تشبهها
وإذا كانت شخصية " حيموت" مازالت مابين الموت والحياة فإنها ببلوغها أهدافها انتهى الموت وتحولت إلى حياة:(( على فكرة اليوم اقترحت على خالة سراء تعديل اسمك في الهوية إلى" حياة" بدون "موت"))
فإن ذلك التحول خلق الصراع والتحول والتغير والثبات نفس الوقت فشخصية " حيموت" ليست فقط حكائية بل نقلت الأبعاد النفسية لها ولمن حولها فمن خلال خاصة وشخصية "صايل ، شيفعان" ولدتا صراع من حيث التناقض مع شخصية الأب وشخصية " محسن"
فكانتا رمزا للاستبداد والتسلط على المرأة الضعيفة فهما مثلا التخلف والوجه القبيح والمتخلف بل والرعب أيضا" اخترق صوت صايل وهو يخاطب زوجته: ( اسمعي" يامرة" انتبهي لها ولا أشوف وجهها لين تنقلع كانت تهز رأسها مثل المومياء.)ص١٨
ومن خلال الخطاب في الحكي يلحظ مقدار القسوة والتحقير " يامرة" ( كانت مثل المومياء تهز رأسها.)
وتأتي شخصية " شيفعان" وهو الشخصية المستبدة التي تستبد بما تمتلك وتلتقي بصايل بالمصالح وهو مرعب بالشكل والمضمون والتقاء المصالحولايقدر القيم ولايقدر إنسانية الإنسان :( لاتخافين يابنت العم أتفقد حلالي.. كان الشيب يغطي بشكل مقزز) ص٢٢
وتأتي شخصية " محسن " الشخصية المعتدلة التي تضحي من أجل الآخرين تعمل على تنفيذ وصية الأب فكانت الشخصية ذات القيم
والني تحمل المبادئ
فرسم الشخصيات في الرواية مرسومة بتوازن وتناقض لتؤدي الرسالة من مضمون الرواية وهو كفاح المرأة المؤمنة بالغاية التي ستصل إليها برغم الصعاب والعراقيل وتغير العلاقات من كراهية إلى ومن ابتزاز إلى عطاء وذلك التأثير والفاعلية الني تطمح إليه المرأة.
ومن خلال رسم الشخصيات رسمت المرأة شخصية أما بالحكمة وإنها لاتقل شأنا عن الرجل أو الرواية رسمتها في بالحنان والعطف والعقلانية ويتضح ذلك من خلال شخصية"عائلة صايل " والتي كانت زوجته تسمح لشخصية البطلة بلقاء أمها تحت جنح الليل وابنته
ومن خلال شخصية أمها زوجة أبيها " سراء"
فقد رسمت بالأم الحنونة الحريصة على التعليم وتحقيق أهداف من ترعى وتربي فجاءت شخصية ممتدة ثابتة ومتغيرة في الوقت نفسه والحرص على ليس لأجل التعليم والمعرفة لتحدث علاقات جديدة ومتشعبة وتغير في الواقع والفكر والمكانة .( نهاية اليوم كانت أمي تقف على بوابة المدرسة لتصحبني إلى المنزل) ص٣٢
وإلى جانب الأم الحنونة فهي الأم التي تعلمت من الحياة وتتمتع بذكاء وحكمة ومعرفة فطرية تبدو كأنها الأم المتعلمة لذلك في شخصيتها الصرامة والحزم بل بلغت الأم من حرصها على مثابرة ابنتها وتعلمها أن تتهجى الحروف وتقرأ ليعكس النص الروائي أن قدرات الأم خارقة وثمة رغبة في التعليم والتغير .( وعند عودتي من المدرسة أصبح شغلها الشاغل كتبي وواجباتي وواجباتي حتى تعودت على نظامها التي لاتقرأ ولاتكتب، بينما كنت أعتقد تعرف كل شئ في هذه الحياة) ص٣٤
وسراء تلك الشخصية القيادية التي الموازية للشيخ مترك حد أن بعض النساء يغرن منها ومن الحب الذي تحتله وأصبحت وجهة للتتفيس وحل المشكلات والهموم للنساء ممايشير إلى حكمة وقيادية وحنان وصدر يتسع للجميع ( أصبح مجلس أمي سراء تجتمع فيه نساء القبيلة في فترات راحتهن، يتبادلن الأحاديث عن همومهن اليومية ومشاغلن يتخللها الشعر والحكايات والأساطير، ولم تكن أم صايل من مرتادي هذا المجلس لغيرتها الشديدة من أمي" سراء" مرت الأيام والسنين وصارت شخصية سراء رمز ثبات أسرة الشيخ مترك وأم لأبناء القبيلة) ص٤٠
إن رسم الشخصيات جاء دقيقا فيه من الواقعية والمصداقية الكثير فينقل للمتلقي أثرا نفسيا جاذبا ورسمت الشخصيات بالأبعاد النفسية والاجتماعية وحتى بالرغبات والآمال والطموحات
وبالأبعاد المكانية والزمانية وبشكل مؤثر ولكي تعكس الشخصيات صورة عامة عن المجتمع والإنسان وتدعم فكرة الرواية في قدرة المرأة في تخطي الصعاب وقدرتها على التغير والتحول والمواكبة مع الجديد والتمسك بالأصيل..
لذلك رسمت شخصية" سراء" " وحيموت" بالشخصتين القوتين العصاميتين والخارقتين واللتين لهما القدرة على معايشة الزمن والحياة وتحقيق الغايات لذلك جاء حتى كسب الرزق بالعمل لتعكس عزة في النفس وترفع عن المذلة( أصبح بيتنا الطيني قبلة للزوار الذين اقتسموا معنا أحد غرفه ، ووجدت أمي مصدرا للرزق بعد كلت قدماها بالذهاب إلى حراج بن قاسم) ص٤٤
وإذا عادت القراءة إلى شخصية البطلة " حيموت" فإننا رسم الشخصية ميزها بالذكاء لتدرك جوانب الحياة وتستطيع أن تحقق ذاتها وتلفت إليها الانظار بذكائها الفطري الذي اكتسبه من البيئة والتربية وصعاب الحياة .(فحين تسألها المعلمة " حيموت" من الذي يكتب لك ويحل تمارينك؟ ولاتقتنع عندما أخبرها بأنه لا أحد، وفي أحد الأيام أجبرتني على إحضار أمي التي أخبرتها التي أخبرتها بأنه لا يوجد في المنزل سوانا) ص٣٤
فكانت شخصية " متوازنة" مقنعة يجمع عليها وعلى شخصيتها من حولها لما تمتلك من صفات وذكاء حاد وهي تلك الشخصية التي رسمت غاية وهدفا ويجب عليها الوصول إليها والعواطف تؤجل حتى لاتعرقل المسير وبلوغ الغاية ( في الصف الخامس أصبحت مسؤولة عن تنظيم إذاعة فصلي ؛ شيئا في داخلي بدأ بالبزوغ يعلن للملأ أنني بنت الشيخ مترك) ص٣٣
وبالفعل تصل غايتها " تخرجت من كلية احتفلت أمي بتخرجي، كانت ليلة لم يحضر سوى قليل من الزميلات فعلاقاتي محدودة) ص٩٠
وإذا كانت شخصية البطلة "حيموت" هي المرأة التي تمتلك عواطف الحب الجياشة من خلال علاقتها إلا إنها تلك المرأة المتزنة غير المستسلمة والملزمة التي لاتنهزم أمام عواطفها فأمامها غاية أكبر وأيضا هي المرأة المثقفة الشاعرة وهي من جعلت من علاقتها بالكتب أقوى العلاقات وهي الدكتورة والمدنية والريفية الأصيلة ابنة الشيخ ومن خلال الوضعيات والتحولات والثبات فإن الحكي يرسل للمتلقي أن هذه المرأة هي المرأة المثال التي تجاوزت وتخطت اليأس بتحقيق ذاتها لتحقق لنفسها مكانة اجتماعية مرموقة لإيمانها بقدراتها وبغاياتهاو لتعكس صورة عن المرأة في المجتمع ولم تنس الرواية أن تلفت المتلقي أن شخصية تهتم بالمرأة من بنات جنسها فتشاركهن التميز والعطاء ( في أمسية شعرية بحتة نظمتها أحدى الجمعيات المهتمة بالمرأة حضرتها العديد من الزميلات بعد نثرت فوزية بينهن شعرت بحريتي) ص٩٦
وبذلك عكست المضامين السردية من خلال تسليط الضوء عن المرأة أنها تحولت من الاستبداد والتخلف إلى الانطلاق والحرية المتزنة ومن التضييق إلى الاتساع فأصبحت فاعلة مؤثرة لها شبكة من العلاقات المتوازتة والمؤثرة وهو من أهداف التعليم واللافت في الخطاب السردي أنه لم يتناول المرأة بسوء أو بشئ من التقليل من شأنها إلا فيما ندر بل أن الخطاب رسم المرأة الحنونة العطوفة الحكيمة والمعتدلة والمتزنة وهي المرأة المضحية والمعطاءة وهي التي ترفض ممارسات الرجل المستبدة ويتضج من خلال زوجة " صايل" بل المرأة اجتماعية ومضحية وترغب بالعلاقات القيمية العادلة وترغب بالتطور والتعلم والتحول والتغير مع التمسك بالقيم والعادات الأصيلة
وقد نقلت الأحداث إلى المتلقي ببساطة ومصداقية وفيها التاثير في نفس القارئ ليس فحسب فقد عرج خطاب الرواية على تعدد الزوجات والتعدد العشوائي غير المتزن في الريف وإن كان التعدد في المدينة متواجدا لكنه بمايوافق الفكر ويتشابه مع الروح فالرواية ترفض تعدد الزوجات والذي تتضرر منه المرأة وتكون الضحية كما حدث مع أم البطلة التي لمحت للزواج من الصغيرات.
جاء في الخطاب الروائي الفوارق الاجتماعية مابين اهل الريف والمدينة فأهل البادية متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم ولاتتمكن المدنية في تذويبهم فيها يتضح ذلك من خلال رفض سراء رفض زواج ابنتها من سليمان بسبب تأصل البادية في أعماقهم وإن كان ذلك ينم ولاء وطني لكل الوطن من تجذر البادية في أعماق ذات أهلها.
أما إذا تأمل المتلقي المكان، فإنه سيكتشف الأحداث غالبا ماجرت في المكان الصغير المغلق " بيت الشعر، الخيام" او جرت في فضاء البادية المكان المفتوح وانتقلت من الخيمة وبيت الشعر إلى" بيت الطين الصغير" في فضاء المدينة.
ومما يلاحظ أن العلاقات الاجتماعية في البادية متفاوتة فهي قليلة الحب كثيرة الكراهية والحقد فيها الاستبداد والحقد وثمة علاقات متمزقة ومتحولة فالبادية مثلت لبطلة القصة مكان الخوف والفزغ خاصة بعد موت الأب .( في أخبرتني وسمية أنني سأرى أمي تحت جنح الظلام فقد اتفقت معها ومن تلك الليلة صرت اقترب منها خلسة كل ليلة) ص١٣
وعلى الرغم أن المكان مثل الاضطراب العلاقات إلا أنه مكان الخير والخصوبة بالنسبة للذات( عندما ترسل الشمس أشعتها الذهبية في مداعبة رقيقة لرؤؤس الخيام تكون مثل جارتنا قد انتهت جل أعمالها وعلقت قربة اللبن استعداد للخض)
فمثلت البادية بعد فقد البطلة أبيها الشيخ( مترك) مكان الخوف والفزغ والطغيان والاستبداد بالمرأة و مكان اللاحرية ( تتدلى الذكريات على مخيلتي أشباحا مخيفة وكوابيس تارة أخرى ومحاصرة بالوجوه الشاحبة" صايل، شيعفان، والجمل ملحان)
وهو أيضا مكان الانتماء والولاء المتجذر في الأعماق.( مازلت في أعماقي اقبع في البادية وأشجارها وزهور الخزامى والنفل) ص٦٣
أما المدينة المكان فقد مثلت العلاقات الاجتماعية المتزنة والعلاقات المترابطة بالحب وهي مكان الانطلاق وتحقيق الذات وفيها العواطف الصادقة والعلاقات الاجتماعية الصادقة والمتشعبةز ويتضح من خلال علاقة أسرة " حيموت"بسليمان وأسرته.
وفي الأخيرة الرواية رواية سيرة ذاتية فيها المصداقية والصدق الفني الذي يجعل المتلقي يظن أن كاتبة الرواية بطلة القصة لما فيها من مصداقية وصدق فني وخيال مرتبط بالواقع ورسم للواقع ببساطة وبلا تكلف وجاءت الخطاطة السردية بلغة مؤثرة حد أن المتلقي يرسم البيئة والمدينة والشخصيات والأحداث ومايمكن أن يؤخذ على الرواية.
- صوت الراوي الواحد من أول الرواية بلا تحولات وتنقلات بين الماضي والحاضر فسارت بمسار واحد من أول الرواية حتى نهايتها .
- العنونة الغرعية في صفحات الرواية أخل نوعا بمضمون ورسالة النص ففيه نوع من الفضح للمضمون
- النهايات السعيدة وكانت النهايات سعيدة بلا تلميح ولاتحير المتلقي.
وهذا لايقلل من فتية الرواية وصراعاتها وتناقض مواقفها وشخصياتها وأمكنتها .