بدا لي وأنا أتأمل ظاهرة التجربة الروائية في السعودية أن أتساءل ما إذا كانت التجارب الروائية تقاس بمعيار التقادم الزمني الصرف، أم بعمق التحولات المصاحبة لتشكلها؟ ولعل هذا التساؤل نابع من طرافة التجربة الروائية المحلية. فبعد أكثر من سبعين عاماً من التراكم الروائي نستطيع أن نقول إننا أمام إيقاعين روائيين يحددان معالم التجربة الروائية. فالظهور الأول لرواية التوأمان لعبد القدوس الأنصاري في عام 1930 بدا باهتاً ليس من الناحية الفنية فحسب، فذلك منسجم مع طبيعة ولادة الأشياء، بل إن ضعف الرؤية وهشاشتها هو ما يمكن أن نجده في الحقبة الأولى من تاريخ الرواية المحلية
مرت الروايات السعودية بمراحل مختلفة في تطورها وهذه المراحل ستنظر للرواية من خلال منظور السياق الفني لكل مرحلة روائية تمايز فيها النقاد فمن مصنف للبداية على أنها 1930 كحسن النعمي في كتابه الرواية السعودية واقعها وتحولاتها ومن يرى هذا مخاضا ليس إلا للبداية الفعلية عام1990 كسحمي الهاجري في كتابه جدلية المتن والتشكيل .
وبدرجة اختلافهما فعلى غازي القصيبي يتفقان أنه وضع اللبنة الأساس ورسم الطريق لمن بعده في روايته ( شقة الحرية ) في المرحلة التي تميزت فيها الرواية برؤى متنوعة وأسماء كتاب جدد وزوايا نظر مبتكرة
إن قراءة الرواية السعودية قراءة سياقية تتطلب النظر لمكونها الخارجي الذي شكلها وفي الغالب كانت الرواية تنطلق من دوافع سياسية فحرب تحرير الكويت وحادثة برجي التجارة العالمي كان لهما أثر كبير في اتجاه السياق الروائي ليس هذا فحسب بل إن موضوعات جديدة شهدتها الساحة الروائية مثل الإرهاب تسبب في خلخلة الخطاب الديني القديم وتزايد شعور النخب والأفراد بالحاجة إلى طرائف تفكير ووسائل تعبير جديدة .
في هذه الفترة عاش الروائي السعودي دور الواعظ الإبداعي يكتب عن المحظور اجتماعيا والمسكوت عنه بينما ينظر خصوم الرواية إلى البعد الأخلاقي فيها وبينهما ضاعت القيمة الفنية وهذا السبب يعود إلى عدم فهم بعض الكتاب لدورهم في صناعة الرواية فالرواية ” صناعة جمالية توحي ولاتفصح وتقدم الجانب الفني على القول الخطابي إذ أن عجز بعض الروائيين أن يبهروا نتيجة بحثهم عن الموضوع المثير دون خدمته فنيا فالرواية ليست خطاب أفكار مباشرة بل خطاب أفكار متبلورة في صيغ جمالية ولاشك أن بعض الروائيين استغلوا حساسية المجتمع تجاه بعض القضايا فعبروا عنها بخطاب مباشر فيه من التسطيح الشي الكثير والأخطر من ذلك خلو روايات الأفكار هذه من مقومات الصيغ السردية الجمالية
إن سوق الرواية اليوم يكتظ بالروايات التي تتهافت من كل حدب وصوب فكثرت العناوين وامتلأت المكتبات وتحولت معارض الكتاب من تظاهرات ثقافية إلى استعراض لصور شخوص على أغلفة الروايات فهذا يصور حياته وتلك تصور ماتحلم به وتحول العمل الروائي من سرد صيغ جمالية ومعالجات وتعاطي لمشاكل المجتمع إلى تناول سير ذاتية ويوميات عقيمة عززت له مواقع التواصل الاجتماعي فالكل أصبح روائيا والكل أصبح يكتب .
إن الأزمة لدينا تكمن في القارئ كما هي في المبدع وكل هذه العوامل ساهمت في تأخر نضوج الرواية السعودية حتى العقد الثاني من الألفية الثالثة لنجدها تدخل في مرحلة ازدهار غير مسبوقة وباتت السمة الأساسية لها ترقى للجيد في الإنتاج والمضمون ولكن هذه الطفرة في الرواية تحتاج لاهتمام من قبل المؤسسات باحتواء الإبداع وإقرار جوائز للسرد بكافة أشكاله وبهذا نستطيع أن نرسي قواعد الرواية السعودية ونجعلها تنافس بقوة.