كاتبة وأديبة وخطيبة لبنانية، اشتهرت باهتمامها بقضايا النساء، وهي أحد أهم العاملين على نبذ الطائفية، وكَوَّنَتْ لذلك جمعيات وائتلافات نسائية.
وُلِدَتْ «سلمى جبران صائغ» في بيروت عام ١٨٨٩م، ودرست اللغة العربية وأتقنتها على يد أستاذها «إبراهيم المنذر»، فكان ذلك سببًا مباشرًا في تصاعُد بيانها، وأناقة لفظها، وعذوبة أسلوبها، ثُم التحقت بعد ذلك بإحدى المدارس البيروتية، فأكملت دراسة العربية في الكلية العلمانية للبنات في «بيروت».
كانت مُولَعَةً بالأدب منذ وقت مبكر؛ وراحت تنثر خواطرها في مقالات صدرت في المجلات البيروتية، ولفتت الأنظار بما صوَّرته من خيال رَحب وعاطفة رقيقة ولغة جذَّابة وإنشاء جديد نَدر مثله.
كتبَت في عدة صُحف ومجلات عربية، منها: «الحسناء»، و«الفجر»، و«المرأة»، ولها عدة أعمال أدبية، منها: «النسمات»، و«صور وذكريات»، و«مذكرات شرقية».
هاجرت إلى «البرازيل» للبحث عن أخيها الغائب هناك، فالتقت بمؤسسي الحركة الأدبية «العُصبة الأندلسية» وانضمَّت إليهم، وهناك أتقنت البرتغالية وترجَمت عنها للعربية عدة أدبيات.
بعد عودتها لبيروت كوَّنت جمعية «النهضة النسائية» وجمعت فيها النساء بهدف نبذ الطائفية بموطنها «لبنان»، وأدارت المدارس الخيرية للطائفة الأرثوذكسية ببيروت مدة خمس سنوات.
أقامت صالونَها الأدبي في دارها بشارع البطريركية في «بيروت» في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حضرها الكثير من زعماء الأدب في عصرها، منهم: «إميلي فارس ابراهيم»، و«صلاح لبكي» ابن «نعوم لبكي» الصحفي الثائر على العثمانيين.
تُوُفِّيَتْ في بيروت عام ١٩٥٣م.
نموذج من أدبها:
موجة السرور الكبرى!
«نحن في هذا الشرق لفي جوع لجوج إلى أمور عديدة يتمتَّع بها الناس وينعمون، بينما جماهيرنا — شهود مرقص الحياة الأكبر — تبكي حينًا، وتندب حينًا، وتغصُّ حينًا. !
وكم من الأحيان تلسعنا عقارب الغيرة من أمجاد الأمم، ومنعة الأمم، وسعادة الأمم، فننكمش على نفوسنا وقلوبنا تغور فيها البغضاء وتفور، حتى إذا ما لامس فكرنا أول غربي نراه، صببنا رشَّاش غيرتنا الآكلة وما يلتصق بها حتمًا من نفور، وحذر، وتعصُّب، وبغيضة «شرعية»، فيهز الغربي أكتافه ويقول:
لا خير يُرتجى من الأمم الشاكية، الأمم الغارقة في سويدائها، الموسومة — على جبين شبابها — بطابع الخيبة والهرم الباكر.!
لاشك أن الحياة هي للشباب الزاهر، وأنَّ أمة لا تغسل أحزانها أمواج السرور الكبرى لهي أمه تمشي إلى الفناء، فأول ميزات الحياة وآخرها هي «الحياة»، والحياة شيء غير الانكسار، فالخيبة، فالذل، فالبكاء.!
أجل إننا في حاجة وجيعة إلى السرور والطرب، ولكن كيف نطرب وكل من حولنا يبكي.؟!
لقد تعالى بكاؤنا؛ فغطَّى بنعيبه كل أصوات الطبيعة الضاحكة حولنا دوامًا، فهذه السماء الزرقاء، الزرقاء كعيون الأطفال المذهبة الشعور، وهذه الشمس اللامعة، والأشجار المخضلة إلى مديد من الأيام عديد، وهذه الزرارير المُصفِّرة في أعالي الصنوبر، والطيور المنشدة فوق دوالي العنب وأغصان التين، والغدير المهمهم بين الأعشاب، والشلال الصارخ فوق الصخور، وأمواج الهواء المهينمة في الغابات، كل هذه تنشد أنشودة الحياة زاهيةً طربة ونحن وحدنا نبكي.!
ولآدابنا العربية، بما يتبعها من شعر وموسيقى وإنشاد، اليدُ القاهرة في تكييف نفوسنا على الحزن والأنين، ولا عجب فآداب الأمم هي صورة حية رُسمت فيها مشاهد حياتنا على توالي العصور. !
وهل في حياتنا — منذ عدة مئات السنين — سوى مشاهد الأسر والذل والفقر والحرمان؟
واليوم، وقد نفخت في الشرق روح نهضة جديدة، وأصبح الشيخ والكهل والطفل يشعر بحاجة إلى «كرامة قومية»، اليوم تدخل آداب لغتنا في طور جديد، فشعراؤنا ينشدون القصائد الحماسية، وأطفالنا في المدارس يغنُّون القدود الوطنية، ولكن طابع الحزن القديم لا يزال في مكانه، فهو من هذا القبيل لازم الوجود، كختم «المندوبين السامين» على كل قرار يتعلق رأسًا بمرافقنا الحيوية في سوريا ولبنان وفلسطين.
خذوا مثلًا هذه الأنشودة:
لك يا أرض الشآم
مهبط الوحي المجيد!
من فؤاد مستهام
خالص الحب الأكيد!
كلما هبَّت علينا منك
أنفاس الجبال
فذكرنا الغابرينا
من مشاهير الرجال!
هاج في القلب حنينًا
ذكْرُ أيام الجدود!
فجرى الدمع سخينًا
كالدِّما فوق الخدود!