استنهاض : قراءة نقدية وجدانية لقصيدة الشاعر ابراهيم مباركي
يعيد الشاعر الكبير ابراهيم مسير مباركي تعريف الوجد و الحب و الشوق و الحنين و جميع الإنفعالات العاطفية المكثفة ..
فيخلق لنا مزيجاً من الشعور المختزل للغة و ما وراء اللغة ..
عاش دهراً يعيثُ فيه الأُفولُ
يزرع الضوءَ...والجراحُ خيولُ
تقلب العاشق في زمانه على رمضاء الغياب ، بل كان من فداحة الحال أنه قال "يعيث" ولا أجد مفردة تستنطق الصورة الكالحة لهذا الشطر كما فعلت ، بل أن شاعرنا و في امعانٍ متعمد يكثف السوداوية في جنبات هذا البيت حتى يكون مطلعاً يليق بقصيدةٍ كهذه..
ثم يباغت الشاعر كل من يظن أنه أمسك بتلابيب القصيدة من صدر مطلعها ليجد أن عجز المطلع مشكلة تحتاج لقولٍ آخر لا يجمعه بالأول إلا ما تقتضيه المطالع بالضرورة أما ماعداه فيجب أن تثنى في تحصيل جمالياته الركب ..
"يزرع الضوء" كيف خطر للشاعر أن يملاء الحقول ببراعم الضوء و في حصاد ذلك شرق بخيالك و غرب أما الشاعر فقد قال ما أراد ..
ثم تتضاعف الدهشة و تختلط الأوراق و كل هذا و أنت ما تزال في مطلع قصيدة عظيمة.
——————————————•
يرتدي الريحَ.. والنهاياتُ نجمٌ
عبقريٌ تموتُ فيه الطلولُ
في خدودِ الغيومِ يرسمُ حرفاً
هيَّجَ البرقَ فاعتراهُ الصهيلُ
بعد صراع الأُفول و تجاذبات الطيف و الضوء و الخيول ..
انتفض الشاعر على واقعه فلم يجد ثورة أفضل من تلك التي ترتدي الريحَ في مقاربة مذهلة تصور أمامك مشهداً سُريالياً لعاشقٍ ردائهُ الريح و مطيته الجراح التي نزفت من دمها و دماء الخيول الشعور الصاهلة بصخب العنفوان..
لتتحتم النهاية الموسومة ، لكن لأنها قصيدة عصماء و العصماء غالباً تتمرد على الغائية في الشعر فلا تموت الطلول هنا إلا فقوق هامات النجوم.
الشاعر يرسم على الغيمات لا لا عفواً على خدودها فقط..
لو رسم على الغيم كما هو مطروقٌ و نعرفه لحق لنا أن نقول أنه قال شعراً..
لكنه اختار من الغيم الخد فخذها و ارحل بها في فضاءات المجاز فشرّق و غرّب
——————————————•
بين جنبيهِ ألفُ موجٍ وموجٍ
تتهادى في راحتيهِ الفصولُ
جاءحلماًيخضلُّ عشقاً ووجداً
فاشرأبتْ إليهِ تلك الحقولُ
لا تعجل في القراءة و لا تتسرع في الحكم على البيت بل حاول أن تتهادى بين يدي شعرٍ و شعورٍ لا يستطيعه إلا الأكابر ..
بين جنبيه موج فموج فموج فلا يهدء هذا الجوى دائمُ التأهب لحركة وجدانيه تفرضها على العاشق المواقف..
فموجٌ و ريحٌ و برقٌ و صهيلٌ و و و ولن تنتهي صور عصف الذهن و أعاصير الشعور.
——————————————•
غير أنَّ الجمال عاد سراباً
أجدبَ الموجُ والهوى والرحيلُ
عاد للصمت واستحال نفوراً
مرفأً نائياً وحزناً يطولُ
كيف كان هذا الإلتفات الأسيف الحزين اللي قلق القريب من اليأس البعيد من الأمل عندما قال "غير أن" و له بعد ذلك يأن يتحدث فيما شاء..
أنظر ما الذي حدث بعد هذا الحزن عند قول الشاعر "أجدب الموج" ربما مررت بمفردات و تركيبات تمنحك الجرعة المثالية من الدهشة لكن ليست كهذه المعاني، أنت هنا تُمنح الجرعة المفرطة تلك التي تشكل الخطر و تعلن الإنذار المبكر.
——————————————•
لونُ بيدي مدائنٌ تتشظّى
وسريرٌ معربدٌ وشمولُ
يستثيرُالرؤى المضيئةَ حولي
موعدٌ خائنٌ وقلبٌ ذليلُ
عندما يتحول اللاشيء إلى شيء و يشير المدلول الى الدال و الأطياف إلى أجسادٍ حينها تصبح الألوان جسورٌ و منازلٌ و قصور و انسحاباً على هذه القاعدة فإن كل ما دون ذلك هو تابعٌ للأصل يتبعه بالضرورة..
لكن رؤى الشاعر المضيئة لم تسعفه و لم تنجده من هول الموعد الخائن و انتكاسات القلب الذليل.
——————————————•
كيف ضاء الدجى وكان أسيراً
ويموتُ الضياءُ وهو جليلُ
أوغلَ الليلُ في سمائك فاحملْ
يقظةَ الفجرِ في مدىً لا يزولُ
جاوزِ الصمتَ تحتفي بنذيرٍ
هو في غابةِ الدُّجى تهليلُ
وانثر الروحَ روعةً وجلالاً
سوف تحياالأموات وهي قليلُ
لا أستطيع و لا أملك من مفردات النقد ما يمكنني من سبر أغوار هذه الأبيات ففوق كل ذي علمٍ عليم و ما أنا إلا مقلدٌ للعمالقة من أمثال المعيدي و الأمير .
——————————————•
آثرتكَ الرمالُ وهي ربيعٌ
واشتهاكَ الجليدُ وهو عليلُ
بدعةٌ أنت.. أنت معنىً شهيٌّ
هام بالشعر فاحتواه النخيلُ
لغةُ الضّادِ تيمتني بثغرٍ
هامَ فيهِ الهوى وطابَ الهطولُ
لا تنفك الدهشة ترمي بظلالها الممتعة لتضاعف وقع الدهشة بأغصانٍ تدلت منها ثمارها اليانعة من هذه الحديقة العربية الضاربة بجذور أصالتها في مفازات الرضى و الغضب .
شعر : إبراهيم مسير أحمد مباركي
———————————————————•
ألتمس منك العذر على تقصيري بحق
هذه الفارهة الفارعة الباسقة
والله يرعاكم