صَبِيْحَةَ كُلَّ يَوْمٍ تَبَرْعَمَتْ أَحْلاَمُهَا فِي هَذَا الْطَرِيْقِ.
دَفْتَرٌ صَغِيْرٌ مُزَرْكَشٌ تَحْرِصُ عَلَىٰ اصْطِحَابِهِ،وَتَضَعُهُ فِي مَكَانٍ يَسْتَطِيْعُ الْسَابِلَةُ أَنْ يَلْمَحُوْهُ مُتِوِّجَاً حَقِيْبَتَهَا .
تَتَوَازَىٰ مَعَ إِطَارَاتِ الْسَّيَارَاتِ، تَوَازِيَاً يُسْعِفُهَا مَرَتِيْنِ مِنْ،وَإِلى الْمَدْرَسَةِ.
حَفَظَتْ هَذا الْطَرِيْقُ بِأَحْجَارِهِ، وَغُبَارِهُ،وَمِسَاحَاتِ الْسَبْخِ الْتِي تَرْتَمِي عَلَىٰ جَانِبِيْهِ.
أَمَلٌ وَاحِدٌ تَسْتَشْرِفُهُ عَلَىٰ بُعْدِ أَرْبَعَةِ بِيُوْتِ مِنْ سُوْبَرِ مَارِكَاتِ الْحَيِّ.
أَمَلٌ يُخَفِفُ عَنْهَا وَطْأَةَ الْشُعُوْرِ بِالإِخْتِلاَفِ،لَكِنَّ الْوَقْتَ قَلًَ مَا يَجُوْدُ بِهِ.مَازَالَتْ تَسْتَشْعِرُ لَمْسَةَ يَدِهِ عِنْدَ أَوَّلِ عَثْرَةٍ:
"هَلْ سَأَكُوْنُ ضَيْفَةً عَلَىٰ خَيَالِهِ يَوْمَاً مَا؟
هَلْ أَخْبَرَتْهُ أُخْتُهُ بِسِرِّ الأَغَانِي الْتِي أَسْتَمِعُ إِلِيْهَا فِي خُلْوَّتِي"؟
تَنْتَبِهُ عَلَىٰ صَوْتِ أَبْوَاقِ سَيَّارَةٍ أَلْقَىٰ صَاحِبُهَا الْتَحِيَةَ عَلَىٰ أَخِيْهَا عَارِضَاً خِدْمَةً تُصِرُّ دَائِمَاً عَلَىْ رَفْضِهَا.
بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِن الْمَدْرَسَةِ تَسَْتَسْلِمُ لِسَطْوَةِ غَفْوَةٍ تَنْتَشِلُهَا مِنْ وَخْزِ الْحِجَارَةِ،وَنُتُوْءَاتِ الْشَوَارِعِ،وَسِهَامِ الْعَطْفِ.
تَسْتِيْقُظُ،وَعَلَىٰ صَدْرِهَا كِتَابٌ فِي طَرِيْقِهِ الآنَ لإِنْهَاءِ تَثَاؤبِهِ.
تَضَعُ رِوَايَةَ ( نَادِيَةٌ ) لِيُوْسُفَ الْسُّبَاعِي،وَتَسْتَسْلِمُ لِغَفْوَةٍ.
فِي الْمَسَاءِ،وَفِي فَنَاءِ الْمَنْزِلِ الْصَغِيْرِ تُنَقِّـلُ بَصَرُهَا بَيْنَ ( الْرَدِيْمَةِ )،وَشَجَرَةِ الْجُوَافَةِ. الْكُّل فِي هَذَا الْبِيْتِ يَذْهَبُ حَيْثُمَا يَشَاءُ إِلاَّ هِيَ،لَكِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى مَكَانٍ لاَ يَصِلُ إِلِيْهِ أَحَدٌ،وَتَهِيْمُ أَكْثَرَ مِمَّا يَهِيْمُ غَيْرهَا،وَلَكِنْ فِي مِسَاحَةٍ لاَ تَتَجَاوَزُ ظِلَّ شَجَرَةِ الْجُوَافَةِ.
تَحْمِلُهَا الأَفْكَارُ إِلَى عَالَمٍ مَجْهُوْلٍ ...
أَحْدَاثٌ لاَ تَسْتَقِرُ تَفاصِيْلُهَا عَلَىٰ الأَقَلِ فِي هَذِه الْمَحَطَةِ الْيَوْمِيْةِ.
أَزْعَجَهَا هَذَا الْكَمُّ الْهَائِلُ مِن أَصْوَاتِ الأَشْيَاءِ الْمُتَمَرِّدَةِ عَلَىٰ سُكُوْنِ الْدفَاتِرِ.
تُصِرُّ عَلَىٰ مُشَاكَسَةِ هَذَا الْتَمَرُّدِ بِشِيءٍ مِن الٔصَّخَبِ الْدَاخِلِي .
تَلْتَفِتُ نَاحِيَةَ صَوْتِ صَرِيْرِ عَرَبَةٍ تَتَحَرَكُ بِبُطءٍ .. تَتَأَمَلُ الْجَسَدَ الْمُسِّنَ الْمُتْعَبَ مُبْتَدِئَاً الْحُدَاءَ بَعْدَ أَنْ شَيَّعَهَا بِابْتْسَامَةٍ حَانِيْةٍ : بَلِيْلَة .. بَطَاط .. وخَلٌ ..
وَيَبْدَأُ الْصَّوْتُ عَدّهُ الْتَنَازُلِي . تَتَراءَ لَهَا الأَجْسَامَ،مُتَحَرِكَةً نَحْوَهَا بِقُوَةٍ،تَشُّدُهَا مِنْ نَاصِيَتِهَا .. تُوقِفُهَا،وَتَسِيْرُ بِهَا بِضْعَةَ .. أَوْهَام !
تُدَاهِمُهَا مَوْجَةٌ مِنْ ذُهُوْلٍ شَفِيْفٍ، وَهِي تَتَصَوَرُ هَذِه الْخُطُوَاتِ. أَرْصِدَةٌ مُجَمّدَةٌ مِنْ حِسَابِ الْزَمَنِ الْجَارِي،أَوْ أضٔرِحَةٌ تَحْوِي شَتَاتَ الأُمٔنِيَاتِ الْمُنْتَحِرَةِ.
تَنْسَحِبُ مِنْ دَهْشَتِهَا الْحَالِمَةِ كَغَيْمَةٍ هَارِبَةٍ مِنْ سَلَّةِ السَّمَاءِ.
قَلْبٌ مُفْعَمٌ،وَعَقْلٌ مُتَوِهِّجٌ، وَأَطْرَافٌ تُحَاوِلُ الْنُهُوْضَ مِنْ عَثْرَةِ الْسُّكُونِ.
لاَ تَجِدُ رَغْبَةً قَوِيَةً فِي إِكْمَالِ الْرِوَايَةِ.
تَلْتَقِطُ الْنَزِيْفَ الْعَذْبَ مِنْ جِدَارِ الأَمَلِ...
تَرْقِّصُ صَفَحَاتَهُ ذَاتَ الأَلْوَانِ الْثَلاَثَةِ عَلَىٰ شَكْلِ حُزمٍ.
تَقَعُ عَيْنَاهَا عَلَىٰ صَفْحَةٍ فَارِغَةٍ فِي الْمُنْتَصَفِ.
إِعْتَادَتْ أَنْ تَهْرَبَ مِنْ أَسْئِلَتَهِم بِأَجْوِبَةٍ غِيْرِ مُقْنِعِةٍ !…
تَنْتَقِلُ يَمْنَةً،وَيَسْرَةً.
مُعَلِمَةُ اللُّغَةِ الْعَرِبِيَةِ،وَقَدْ عَلَّقَتْ عَلَىٰ خَوَاطِرٍ كَتَبَتْهَا... صَدِيْقَاتِهَا الْمُقَرَّبَاتِ،وَقَدْ كَرَرَنَّ الْكِتَابَةَ لَهَا .. طَبِيْبَةُ الْوِحْدَةِ الْصِّحِيَّةِ...
خَالُهَا بِخَطـِّهِ الأَنِيْقِ حَرَصَ أَنْ يَكُوْنَ أَوَّلُ الْحَاضِرِيْنَ.
أَخُوْهَا الْذِّي اكْتَفَىٰ بِسْطْرٍ وَاحِدٍ ...
قَرِيْبَاتُهَا الْمُتَزَوِجَاتُ اللآتِي لَمْ يَكْمِلٰنَّ تَعْلِيْمَهُنَّ،تَتَذَكَّرُ حَرَجَهُنّ مِنْ إِجَابَةِ طَلَبِهَا...
وَصَفْحَةٌ فَارِغَةِتَرَكَتْهَا،لأَنَامِلْ رُبَّمَا تُفَكِّرُ يَوْمَاً فِي زِيَارِةٍ خَاطِفَةٍ لِهَذَا الْقَلَقِ الْمُتَجَدِّدِ.