ليلة شديدة البرودة، عواصف رعدية هوجاء، وهطول مطر غزير، غط أهل القرية في نوم عميق تحت الْلحف، فجأة شق السكون، نباح كلب متواصل، اعتلى تله أوصلت صوته لكل بيت. استيقظ الجميع.
.تعوذ بعضهم من الشيطان وواصل نومه، والبعض انتصب على فراشه يردد "اللهم اجعله خيرا"،
فيما شرعت عجوزهم في إعداد حنوط الموتى، فنباح الكلب في منتصف الليل علامة شؤم ورثتها.
صوت الرعد يقصف القلوب، تترك بعض الأسر منازلها خوف من سقوطها تحت زخات المطر العنيفة، يلجؤون للجيران أو الأقارب الأحسن حال، ملابس مبللة، نظرات فزعة، ومساكن تركت أبوابها مشرعة، أفواه تلهج بالدعاء، ونباح الكلب يشتد.
الحرامي "ساطي" ينتقل بين المنازل الخالية، يستولي على ما خف حمله وله ثمن، يختفي خلف ستار الظلام الدامس لا يعيش لحظة الخوف ويسخر من خرافات ارتبطت بالنباح.
تطل العجوز برأسها من باب سقيفتها على ناصية الشارع والتي بدأت جدرانها بالتسلخ، تبحث عن ملجأ آخر، يمر من أمامها ساطي مسرعا يحمل على ظهره كيس يصدر منه جلبة، يختفي وسط العتمة والعباب. تعود أدراجها داخل سقيفتها وهي تتمتم " لن يرغب أحد في وجودي بينهم" تسمع همهمة رجلان ربما ثلاثة يمران بسرعه في الشارع، ابتعدوا كثيرا قبل أن تدركهم.
قبل أن يلفظ الليل أنفاسه الأخيرة ثلاثة رجال يطاردون رابع، ذهب كل واحد في اتجاه، التقوا على التَّلة خارج القرية، أمسك أبو محمد بالرجل رغم ملابسه المبللة..
"ساطي يا الخسيس كيف تسرق أهل ديرتك وتستغل ظروفهم الصعبة؟"
لم يرى أحد منهم ابتسامة ساطي وسط الظلماء..
القى بالحمل عن ظهره " وماذا عنكم وأنتم تسرقون الناس في وضح النهار، أنت يابو محمد كل يوم مخطط أرض باسمك لأنك رئيس البلدية، وانت يا محجن كل البضائع عندك وتتحكم بالأسعار على كيفك، أما انت يا مزهر تذل الناس على كيلو لحم نصفه عظام وتحاسبوني، أنا ما سرقت إلا من بيوتكم".
خفت نباح الكلب، داهمتهم سيول جارفة، حفرت تحتهم بسرعة كبيرة، أفاقت القرية على أربع جثث يدور حولها كلب مبلل.