مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
وسيرة الشاعر البدر سيرة حافلة بالإنجازات الحضارية؛ سيرة متعددة الجوانب؛ تكاد تتجاوز حدود الخيال ؛وتحتاج إلى العديد من المقالات ؛وسيظل من منارات مملكتنا الحبيبة ومن الأعلام الكبار النادرين الذين نعتز بهم في كل زمان ومكان..
لقد ارتبط انسان الجزيرة العربية بربّه وتشرب الايمان بخالقه وتوارث حسن الولاء والطاعة ومكارم الاخلاق وعاش طوال حياته مقدسا لدينه ومنحازا لوطنه، عصيّا على الذوبان والهوان فلا عجب ان تكون لديه الجاهزية للموت والفناء دفاعا عن مقدساته .. وهذا ما يجسده هذا النص ويعبر عنه ويمثّله خير تمثيل ..(عبدالحميد عطيف)
ما أن تهدأ ظاهرة العنف الأسري عن عيون وأسماع الناس وأفكار الإعلام بشتى وسائله حتى يصب زيت حادثة جديدة على نار التعنيف المسعرة الذي يحترق بلظهاها وشرارها ولهبها ودخانها الأطفال الأبرياء من الجنسين .. وإن تعددت أشكال التعنيف سواء كان نفسيا أو جسديا .. يقودنا هذا العنف الأسري إلى بعد إدراكي يشعر به الطفل كلما كبر قليلا، وعمق ذاك العنف النفسي نتيجة المتغيرات في عالمنا والموجات العاتية وعواصف التقنية جراء البوح الأول لطريق العدائية والانطواء والانزواء في مغبة البحث عن إسقاط يمارسه، كي يلتقي بطفولته البائسة اليتيمة والمكلومة والمظلومة والتي سافرت أنفاسها هربا تحت صفعات والد جاهل أو عصا عمة ظالمة أو وكزات أم غاضبة .. وأبقته تلك الصراعات النفسية خائفا وجلا من أي صوت أو ضوء أو أي طرقات أو حتى قرعات نعال العابرين ..!!
حتى كان أحدهم ينام فوق سطوح بيتهم حتى لا يراه أباه وآخر يختبئ في صندوق سيارة خردة كي يختفي عن أنظار أمه ..!!
هذا التشرد والتشتت والضياع النفسي قد يجد من يحتويه عاطفياً وفكريا .. وما هي إلا مشاهد القتل والأشلاء والدماء والجثث والركل والسلاسل والأغلال ومزيدا من الاستعمال السياسي للصورة أو المشهد .. سواء كان فيلما كرتونيا أو لعبة (السي دي) البلاستيشين أو … إلخ أو ما يعرف بالاستعمار التلفزيوني الممنهج والمنهج الإعلامي الخفي الذي يدس غثاء السم في عسل المشاهد متشدقا بالإخراج والمهنية والاحترافية ؛ ليظهر لنا جيلا قد استمرأ العنف والاضطهاد فبات ممن يقال عنهم : متحجري القلوب والعقول والعواطف والإحساس، ويعيش تحت رحمة أفكار دخيلة غريبة على منوال (درباوي، أبو سروال وفنيلة ، وراحوا الطيبين ، والخوف الدائم من العالم المحيط به والذي يعيش فيه، ويرى نفسه أنه مهمش تهميشا إقصائيا يجعله يمارس أفعال صبيانية كي يبرر الإهمال له بطرق تعيده لمربع العدائية المكتسبة منذ الطفولة المعنفة فيتخرج أطفال عدائيين بإمتياز وهذا ما تولّده نظرية الطفل العدائي .
ومضة :
الطفل السوي هو من يعيش وسط أسرة تمنحه الاهتمام والحب والعطف والمتابعة كي يكبر واثقا من نفسه وإرادته وطموحه متسلحا بالإيمان وقوة الشخصية .
من منّا لم يكن لاجئ في يوم من الأيام ..؟ ومن منّا لم يعش مشاعر اللُجوء واللآجئين ؟ نعم جميعنا عشنا لاجئين ، وعشنا رهبة اللُجوء ، بغض النظر عن عمره الزمني وكيفيته وكيف بدأ وكيف إنتهى وكل تفاصيله ، لأن الأهم من هذا كله أنه قد حدث بسبب الخوف ، فكان الهروب ، ومن ثمّةَ البحث عن الحماية وطلب اللُجوء إلى المكان و الملاذ الآمن ، وهو في الغالب الأعم كان (خلف ظهر الجدّةَ ) ، ذاك السد المنيع الرحب الذي يقف كل أب وأم أو أي مُتجاوز علينا عاجزاً عن تنفيذ أي عقوبة توعدنا بها !! نعم .. أنه اللُجوء الوحيد الآمن الغير مشروط الذي ليس له حدود ومخيمات وجوازات ولا بُلدان و بُروتكولات ولا مسموحات و ممنوعات ومسنُونات ، فقط تمُد الجدّةَ يديها بكل حب الدنيا ، ويكن حجاب حاجز تسقط أمامه كل التهديدات وكل مخاوف العالم في لحظات ، وينسحب من أخافنا رغماً عنه ، خائباً يجر أذيال الهزيمة ونحن نتمدد في أرجاء تلك المعمورة والتي هي عرين الجدّة كالأسود والنمِرات ، تملؤنا نشوة الإنتصار وكلمة الجدّة القاصِمة تُجلجل مُدوِية في الأرجاء (والله ماتضربه ) ألم يعش معظمنا هذا الشعور الأسطوري بزهوٍ كشموخ الجبال الراسيات .. ؟ حتى وإن أختلف شخوصه حسب الأعمار والمواقف ، ولكنه يبقى في فلسفته الوجدانية أيقُونَة مُعجِزات ، ودعم هائل للمعنويات ، ولُجوء لا يقل أهمية بل ويطغى ويفوق أمان اللُجوء العالمي بكل أطيافه وإن توالت تتراً تتراً ، ألم تحتمي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم !! عندما خافت من أبيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فأي ملجأ وأي سند وأي ملاذ لاذت به رضي الله عنها خلف ظهر نبيّ الأمّة وحماها من أبيها !! وهي مكسورة الجناح ، بأبي أنت وأمي يارسول الله ، هذا كله يُجسد ما أرنو إليه عن ( أقدم لُجوء) في العالم ذاك اللُجوء الذي وثبنا إليه وأستغثنا به بعد الله في حال ضعفنا ومنحتنا إيّاه من وهن العظم منها وأشتعل الرأس شيباً
تلك التي تملك القوة اللوجستية وبتلك السُلطة منحتنا حق اللُجوء فكان أمان العالم بأسره خلف ظهرها ، أنه حقاً أحنّ لُجوء وأقدم لُجوء ، فهنيئاً لكل من تمتع بهذا النوع من حق اللُجوء .
في السيرة النبوية درر تذهل اللبيب من جمالها، وحياة سيد الخلق عليه السلام الزوجية مثالا يحتذى أبد الدهر في تقنين سبل التعامل النموذجية بين الزوجين مع حفظ حقوق كل منهما، وحبيبنا عليه السلام عانى من زوجاته مثل مايعاني كل الأزواج العاديون، غيرة وبعدا وأحيانا كيدا وانصرافا وإغضابا .
والله تعالى لايتفوق لديه في المحبة على نبيه أحد ، فاتباع سيد الخلق بوابة المرور لمحبة الله ومكانته عليه السلام في الدنيا والآخرة ليس كمثلها مكانة بين سائر البشرية .
لهذا كان المولى جل وعلا يدافع عن نبيه من بعض ماقد يلحق به من زوجاته من ضيق وأذى .
الفاروق عمر يحكي قصة هذه الآية الكريمة 🙁 إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ)(التحريم. 4).
في رواية أن ابن عباس سأل عمر عن المرأتين في هذه الآية فأخبره عمر أنهما عائشة وحفصة، وكانتا تتباريان على قلب ومحبة رسول الله ، وكلنا نعرف أن عائشة ابنة الصديق وحقصة ابنة الفاروق ومع هذا ظهر منهما بعض ما أزعج الرسول الكريم صلى إلله عليه وسلم.
يحكي عمر فيقول :
” كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: فغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، قال فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت نعم.
قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت نعم قلت قد خاب من فعلت ذلك منكن وخسرت أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني من مالي ما بدالك ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم – أي أجمل – وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة”.
ما أروعك يا فاروق ، يوجه ابنته إلى أن تتقي الله في زوجها سيد الخلق ويحذرها من إغضابه بل ويثير نقطتين هامتين هما: كيفية التعامل مع الزوجة إن اكتسبت بعض التصرفات الغريبة وتغيرت على زوجها وكيف تتقبل الضرة تميز ضرتها وجمالها دون حسد وضغينة .
وبالفعل ذهب عمر بعدها لرسول الله عليه السلام يريد أن يطمئن على أنه غير غاضب أو مطلق لزوجتيه ، فوجده في المشربة معتزلا نساءه، لما وجده من معاناة من بعضهن أحيانا .
ويكمل الفاروق قصته إذ طلب من بلال أن يستأذن للدخول على سيد الخلق عليه السلام فدخل وتحدث إليه حتى انتهى بقوله:”يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك”، “وقلما تكلمت – وأحمد الله – بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي”.
وبالفعل نزلت الآيات تصدق قول الفاروق الحكيم، فيقرر الله دفاعا صريحا عن حبيبه المصطفى وجاء الخطاب لعائشة وحفصة رضي الله عنهما على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، مبالغة فى المعاتبة ، فإن المبالغ فى ذلك يوجه الخطاب إلى من يريد معاتبته مباشرة .
فيحذر من عظم ذنبيهما ويأمرهما بالتوبة فقد مالت قلوبهما وزاغت حين أغضبتا النبي الكريم ولم يكتما سره ولم تحرصا على راحته ، وقصرتا في احترام كل تصرف من تصرفاته .
ويتصعد أسلوب التأديب في الآية الكريمة بتحذير عظيم في حال تظاهرتم عليه أي تعاونتم بفرط الغيرة أو الإغضاب فإن النتيجة هي :
حشد من الدفاع المكثف والمؤازرة الكاملة بكتيبة غير مسبوقة تعينه و تساعده مكونة من جلالة الله سبحانه وجبريل وكل الصالحين من المؤمنين وقيل يعنى أبو بكر وعمر وقيل المقصود الأنبياء، والملائكة كلهم أعوان ومناصرون للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الآية ذروة من ذرى التعبير عن محبة الله لرسوله ودفاعه عنه وغيرته عليه ، صورة من التكريم الإلهي لخاتم الأنبياء صلاة الله وسلامه عليه تنثر في خلايا من يقرأها هيبة ومهابة وحبورا .
كيف لانحبه اللهم صل وسلم عليه ونتبع سنته وهو من هو عند ربنا الأحد البديع .