لطالما كان تاريخ المغرب الأقصى غامضاً بالنسبة لي والسبب يعود لبعده الجغرافي ودور المستشرقين في تزوير التاريخ، والرؤية المتشكلة عنه حديثا في الخليج وخصوصاً السعودية غير واضحة ومبنية على مشاهدات بعضها فيه من الصحة الكثير جراء الآثار التي خلفها الاستعمار ويجري محاولات لاجتثاثها من أهل البلد الذين يشكرون على غيرتهم الدينية وحميتهم العربية وهذا إن دل فإنما يدل على طيب معدنهم، والبعض الآخر لا يمت للواقع بصلة وفيه اتهام باطل وتجني!
ثم إن ما دفعني للكتابة كلمة كانت على طرف لساني قالها شاب مغاربي توسمت الخير في وجهه من إقليم شفشاون في الشمال المغربي وهي أننا لا نأخذ قوم بجريرة أحدهم، ومن عادتي ألا أتكلم عن موضوع إلا من واقع تجربة معاشة، وهو الأمر الذي يؤلم أن الناس تتلقف الكذبة وتصدقها عن بلد أنجب العظماء ويعتبر مصنع للأبطال عبر التاريخ.
ودونك سيرة زعيم المرابطين في الأندلس يوسف بن تاشفين الذي انتصر على ألفونسو السادس في واقعة الزّلاقة والذي كان يقدر جيش العدو فيها بنحو 60 ألف مقاتل لم يبقى من بينهم إلا 100 مقاتل على رأسهم ألفونسو بساقٍ واحدة، ليعود البطل لمرّاكش بعد أن أنقذ المسلمين.
وهذا أسطورة المغرب الإسلامي الأمير محمد بن عبدالكريم الخطابي من مواليد بلدة أغادير في الريف المغربي، ومما قرأت عنه في عدة مصادر موقفاً يجعلك تعجب من شجاعة هذا الرجل الرافض للاستعمار ، بعدما قتل الإسبان والده الشيخ المجاهد عبدالكريم الخطابي رحمه الله أسروه ووضعوه في أحد السجون على قمة جبل وبطريقة بطولية لا توصف استطاع أن يصنع حبلا من قماش فراشه ليحرر به نفسه من نافذة السجن لكن الحبل لم يكن بالطول الكافي ليصل إلى الأرض فقفز من ارتفاع شاهق على الصخور الصماء لتكسر ساقيه ويغمى عليه ويعاد للسجن، لكنه بعد مدة خرج وكون جيشا من رجال قبائل الريف المغربي مبتكرا أحد فنون القتال العسكري وهو فن “حرب العصابات” أمام المستعمرين والغزاة ، يقول الثائر الشيوعي تشي جيفارا : أيها الأمير … لقد أتيت إلى القاهرة خصيصا لكي أتعلم منك.
ولا ننسى طنجة بلد المستكشف الرحالة والمؤرخ ابن بطوطة الذي ألف كتابه ” تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” .
وكذلك مدينتي فاس المدينة العلمية ومكناس العتيقة والكثير من عادات أهلهما وتقاليدهم الذي ضرب فيهم المثل ” اللي ما شاف فاس ومكناس ما شاف ناس ”
أما في ما يتعلق بحاضر المغرب فقد كتب عميد الرحالين الشيخ محمد بن ناصر العبودي كتابين في الرحلات المغاربية حسبما أعرف وهما : الإشراف على أطراف من المغرب العربي ، العودة إلى المغرب الأقصى بين الصحراء والأرض الخضراء.
ومن خلال مشاهداته فهو يحمل ذائقة راقية تجدها في وصفه للطبيعة أو السياحة عموما وحول الفن المعماري وحتى في الطعام بالشكل التفصيلي.
والمغرب تاريخيا وحضاريا له سجل حافل في التصدي للعواصف الفكرية وعصي على الاختراق لذا من يريد إقحام المصطلحات الفرنسية ومسخ الهوية المغربية بشقيها العربي والأمازيغي فهو واهم ، فلها وجودها الكامن على الأرض يؤكده السعي لرأب الصدع.
والرائي للهجة الدارجة عند المغاربة يجد أنها بفعل تصحيف الألفاظ مالت قليلا عن أصلها وقد يكون بسبب سرعة التلفظ والنطق، والأمثلة على المفردات كثيرة منها :
«جوج» بمعنى زوج حيث جعلوا الزاي جيما.
«الطاقة» بمعنى النافذة والطاقة عربية فصيحة.
«الهدر أو الهدرة» ويريدون به الهذر أو الهذرة وهو الذي يتكلم كثيرا وهي أيضا عربية فصيحة.
«الدَراريّ أو الدريَّات» دون الذال المعجمة ويقصدون به الذَراريّ أو الذريَّات وهو جمع للولد ونسل الإنسان.
«عسّاس» بمعنى كثير الطواف ليلا ويقال له الحارس.
ونشترك معهم في اللهجة العاميّة مثال: بزبوز ، خامج ، خاثر ، تكرفس…
والسبب الثاني الألفاظ المستقاة من العديد من اللغات الأجنبية، وليعلم الذي مكن الأقلام التي تعتمد الفرنسية أصلا والعربية فرعا في محاولة فاسدة للانصهار في ثقافة الآخر أن النخب المثقفة الواعية -وإن سُدت في وجهها الطرق- فهي تحارب باستخدام البديل العربي إيقاناً منها بأن اللغة رمز الهوية وعنوان وحدتها، والمجد كل المجد لمن يدافع عنها