
–
منذ فجر التاريخ والشعوب على اختلاف أجناسها ؛تتسع نهضتها في مساحات الإبداع الفني؛والتنوع الفكري ؛في إطار الكتابة؛ وفقاً لما يصدر عنها من نصوص شعرية أوقصصية؛أوغير ذلك من فنون الإبداع..
ومع تقدِّم الوقت ؛وتزايد نهم الكتابة؛ والشغف بها ؛إلى جانب تعدد القضايا التي بدورها أوقدت لهيب الأقلام ؛ ارتفع عنصر الدهشة كثيراً لدى المتلقين ؛ وبات هذا الشعور ملازماً للنصوص التي عُرف كُتَّابُها بقوة أقلامهم؛ وتفرُّد نصوصهم برونق الابداع .
ورأينا على الساحة الأدبية أقلاماً متوهجة؛ تتابع ذلك السيل المنهمر من النصوص المدهشة؛ ومثل هذه الحيوية الأدبية جعلت القلم العربيَّ دائماً في تطور مستمر؛وتجدد يسترعي الانتباه ؛بيد أنَّ هذا الحراك الجميل؛ جعل الأقلام الصامتة القابعة في زوايا الجمود؛والخمول ؛جعلها تتطاول على تلك النصوص ؛بالاغتيال؛ والتلصص على منافذ ابداعها؛ وقوتها؛ وباتت في نظرهم سرقة؛ شيءٌ منها ؛حلال سواء سرقه لفظية أو معنوية أو فكرية؛ أو من ناحية الأسلوب كذلك ؛مما جعل الكدمة في جبين النصوص غائرة؛ومؤلمة للمبدع نفسه.
لقد عرَّف العلماء والمفكرون السرقة الأدبية بأنها :نوعٌ من أنواع الجرائم ؛ سواء كانت السرقة لفكرة؛ أو نص معين ؛ من كتابٍ ما ؛ إلى درجة أنهم عدُّوها جريمة يُعاقب عليها القانون …
والبعض الآخر عرَّفها بأنها: “انتحال أدبي”؛ وهو :استيلاءُ شخصٍ على أفكار ونتائج وأساليب وكلمات مكتوبة من قِبل مؤلفين آخرين؛ دون الإشارة إلى مجهوداتهم التي بذلوها ؛والمصادر التي استقوا منها.
وفي المعجم الوسيط نالت السرقة الأدبية معناها الخاص؛ حيث عُرِّفتْ بأنها “الأخذ من كلام الغير” …كأخذ بعض الألفاظ ؛أو أخذ بعض المعاني ..
ولهذه السرقة؛ عدة أقسام؛منها:
سرقة الألفاظ؛ أو سرقة المعاني أو سرقتهما معاً ..
وظهرت السرقةُ الأدبيةُ واضحةً وجليةً عند بعض الشعراء القدماء ؛ووقف منها النقاد مواقف متباينة ؛ وهذا هو الشاعر الأعشى” صناجة العرب” ؛يعترف قائلاً:
“فكيق بي أنا؛ وانتحالي القوافي؛ بعد المشيب؛ كفى ذاك عاراً ..
وهذا يعني أن الشعراء يرون أن السرقة الأدبية عاراً وعيباً وجنايةً كبيرة .
ولا تقتصر السرقة الأدبية على الشعراء العرب فقط؛ بل تعدى ذلك إلى الشعوب اليونانية والرومانية القديمة واعترف بذلك “هوراس” بتقليده لكل من “اركيلوكس” و “اليكوس”.
واعتبرها بعض الكتاب مجرد
“توارد خواطر” ؛واستشهدوا على ذلك بحادثة “ابراهيم المازني؛حين قام بترجمة رواية روسية إلى اللغة العربية ؛وقام بإطلاق اسم “ابن الطبيعة” عليها؛وذلك عام ١٩٢٠م ؛
وفي عام ١٩٣٠ م قام بطباعة قصته مشتملة على خمس صفحات من الرواية الروسية “ابن الطبيعة” بشكل حرفي ؛ويبرر ذلك بقوله:” أنَّ ذلك حدث دون إرادة مباشرة منه؛ وعزا ذلك التشابه ؛إلى أنَّ رواية “ابن الطبيعة” الروسية ؛أثَّرتْ فيه تأثيراً قوياً؛وملكتْ عليه لُبَّه؛ ؛إلى درجة أن قلمه حين كتبها ؛كان يحسب أنَّها من “بنات أفكاره”.
وفي العصر الحالي انتشرت تلك السرقات بشكلٍ واسع؛ ولعلَّ لوفرة المعلومات؛وغزارة المنشورات؛وسهولة التقاطها ؛في الشبكة العنكبوتية العامل الأكبر في استفحال خطر تلك السرقات؛وتفاقمها ؛ حتى باتت من الظواهر غير الصحية على مستوى الثقافة ؛والإبداع ..
والجدير بالذكر أنَّ هنالك من يرى
أنَّ تلك السرقة ؛هي من باب الاستعارة؛
وأنَّ الفكر الانسانيَّ؛ قابل للتطور والحداثة؛ في المفاهيم والرؤى وبالتالي فإن أي فكرة؛ قابلة للتطوير والتحديث.
ماذا عن غياب مفهوم حماية الملكية الفردية وحقّ المؤلف ؟!
وكيف نحمي النصوص من السرقة الأدبية:
لايتم ذلك إلا إذا أخذنا في الاعتبار الأمور التالية:
١- مراجعة النصوص مراجعة تامة؛والتأكد من خلوها من السرقة .
٢-يُلزم الكاتب بذكر المصادر والمراجع المأخوذة منها مادته الكتابية.
٣-في حالة النقل او الاقتباس ؛لابدَّ من وضع علامة التنصيص الدالة على الأجزاء المُقتبسة.
ويبقى الانتحالُ في حدّ ذاته ؛أو سرقة الأفكار خطراً جسيماً؛و أمرًا معيباً ؛تنفر منه الأذواق ؛وتأباه الطبيعة الإنسانية السويّة …