يبدو لي- والله أعلم- أنّ جيل اليوم أكثر ثقافة من الأجيال السابقة مع احترامي لكفاحهم السابق والذي لاشك أنه لبنة من لبنات بناء التقدم اليوم .. وعاطفتنا لاشك تتجه نحو الأمس كذكرى وكمجموعات بذلت الكثير للعبور نحو الضفة الأخرى ، وطبقت المبادئ، والقيم في النقل ،والتعليم ،والصدق في العطاء مع كثير من التواضع، أو المبالغ ،والتنازل المتكرر ،أو التسامح المفرط ،ولاشك أن تلك القيم مهمة، ومن تعاليم ديننا الاسلامي ولكن المبالغة فيها تخرج الفرد من حيز المؤمن القوي إلى حيز المؤمن الضعيف ،و تقف حاجزا بين المثقف ،ونفسه ;كقالب ثلج قاس وحاد لكنه يذوب بسهولة أمام لهب بسيط .. لذا ومن باب التجربة الشخصية أنصح بعدم الطيبة الزائدة عن الحد وخاصة في الحقوق التي قد يستلبها منك من هم أقوى وأكثر جرأة منك كما أنصح بعدم الثقة العمياء، فنحن مقبلون على أيام شرسة تحتاج التمكن، والمقدرة، والفطنة، والذكاء، وبعض الخبث من أبنائنا ،و انتهاز الفرص الجيدة ،وعدم الخجل من طموحك، و اجتهادك ،أو الالتفات للهمز واللمز، و الانتقاص، مع التذكير بعدم تجاوزالحدود الدينية والسياسية والمجتمعية … تصر مجموعة كبيرة على أن تعليم الماضي كان أفضل لكنني أصر على أنّ التعليم ليس قراءة وصفة الدواء عدة مرات وإن اكتسب القارئ لغة ومفردات ، وليس قراءة مكونات مبيد الحشرات رغم حفظ التراكيب الكيمائية لها .. لقد كانوا يطاردون المعلومة المجردة للاحتفاظ بها حاضرة في الذهن وتبادلها كتعبير عن الثقافة ولم تهبط إلى أرض الواقع أما جيل السنوات العشرين الأخيرة يستقبل المعلومة الواضحة ثلاثية الأبعاد بالصورة والصوت بل وبالحركة ورغم الجهود القليلة أو غير المقصودة على الأقل من جانب الطالب إلا أنه أكثر استيعابا، وأكثر استفادة ;حيث يكتسب الجرأة، والثقة بالنفس، ومواجهة المواقف مقارنة بمعظم مثقفي الأمس الذين كانوا غالبا يحفظون الكتب، والمجلدات ،ولكنهم يخشون مواجهة الجمهور، أو اتخاذ مواقف جريئة ،وأحيانا كانت تنسب الأعمال لغير صاحبها الحقيقي بينما هو خجل صامت لايبدي حراكا .