قراءة نقدية حصيفةً نديه -
سلا قلبي لياليكا
وأيامَ الهوى
تِيكا
فَما تُشْجيهِ إنْ لاحتْ
طُيوفٌ ..من
مغانيكا
وقدْ كانتْ تبكِّيهِ
وكان البينُ
يُبْكيكا
تقضَّى الشَوقُ ياهذا
فما يغني
تأسيكا
ومايغني انثيالُ الدمعِ
إنْ فاضتْ
مآقيكا
لكمْ أبديتَ للمُضْنى
فنوناً منْ
تجافيكا
تُرجِّيهِ المُنى مطْلاً
وتغلو في
تجنيكا
وتغفو
عن نُواح الصّبِّ
وهو العمرَ يَبْكيكا
وفي شَرعِ الهوى ظُلْمٌ
تُجافيهِ
ويُدْنيكا
أنا
لولا الجفاءُ المرًُ
ما أرْخصتُ حبّيكا
ولا هانتْ
سويعاتٌ عِذَابٌ
منْ لياليكا
تروّيني
رِضابَ الوصلِ والأحلام
من فيكا
ومنْ
بوح الهوى المحموم
والأشواق
أرويكا
وجُنْحُ الليل مسْدولٌ
تجلى سِحْرُهُ
فيكا
أقمْ
في برجكَ العاجي
فإني لا أداجيكا
فؤادي
لمْ يُعدْ يهواكَ
أو يهفو لماضيكا
فطمتُ النفسَ عنْ ذُلٍّ
غشاها
منْ تغاليكا
محمد السيد النعمي
بيش
👏👏👏👏👏👏👏👏👏
يالهذا (السلو )الشجي المؤلم ؛والتداعيات الشجية؛ويالهذي اللغة النقية الصافية!!
سيمفونية حالمة ؛عذبة الإيحاء..
طابت نفسُ شاعرنا السيد النعمي رضي الله عنه مضطراً ؛-والمضطر يركب الصعب كما يقولون- ؛ عن تلك الأويقات الحالمة الناعمة ؛من ليال حريرية النسج ؛طالما رقص القلب في فردوسها وغنى أغنيات المحبة الصافية صفاء ماء النهر الهادىء ؛وأيام طالما اخضلَّت ساعاتها بالخيالات الحريرية الماتعة ؛والسويعات الرقيقة الوادعة ؛فما ملامح هذا السلو الذي أناخ ببابه؛ بل ماتلك الدوافع التي أخرجت شاعرنا عن سكونه ؛فأدلى بما أدلى ؛وأفاض بما أفاضت به قريحته النابضة بالشجن والتهويمات الرنانة؟!
وعلى غير العادة؛ نراه يضرب صفحاً حتى عن الطيوف المؤنسة؛ فلازياراتها النديَّة المتعاقبة في الليل والنهار
تبلُّ أواره ؛أو تسترعي اهتمامه؛ أو يرفُّ لها جفنه ؛ هنا انهيارٌ نوعيٌ ؛أذهل الأسماع والأبصار ؛
فما أبعد الفرق بين ماضيها وحاضرها ؟!
لقد كانت أطياف محبوبه
في ماضي الزمان ملء سمعه وبصره ؛تبسط له حياة رحبة زاهية ؛تفضي إليه بمكنونات الفؤاد ؛وصبابات الوله ؛ كانت تراوغه بين وصل قريب ؛كبرق خلب ليس من حظ له سوى اللمعان ؛وأمل دائم الاخضرار لايرى له من أثر سوى اتساع دائرة الجفاف ؛ كانت تتعهده في السراء والضراء؛حتى تبلغ به درجة البكاء منصهراً مع بشرياتها التي تنثرها بسخاء الفاتنات؛خشية أن تتلاشى بهجتها؛وتذبل أزهار حديقتها ؛بيد أن ذلك الوئام المتين انطفأ سناه؛ واختنقت أصداؤه؛ استحال كل شيء كان بهيجاً إلى موات ؛ بمافي ذلك اللهفة المستعرة بين جنبيه ؛فلاغرو إذن أن تجفَّ العبرات؛وتفقد الأشياء رونقها.
لم يعد حتى هطول مدامع محبوبه حين تنداح بين يديه سحائبها رجاءً واستعطافاً
؛من شأنها أن تصلح ما اختلَّ نظامه ؛وانفرط عقده ؛
ذلك أنَّه كان يجيد صنوف المكر ؛وألاعيب الدهاء؛ والمماطلات الكاذبة إضماراً دون الجهر بها ؛وكان يحسن فعل المغالاة والمزايدات الجوفاء؛كان لايكترث بآلام عاشقه المستهام؛وسهاده الجائر؛بل كان يجازيه بالسهاد الذي قرّح أجفانه ؛رقاداً بلهنياً مغرقاً في اللهو ؛إمعاناً منه
في اللامبالاة ؛والخداع المتواري في جلابيبها الداكنة؛حتى إنَّ أعراف الهوى؛ والروابط الحميمة بين الأُلاف أسدل عليها الستار جحوداً واستكباراً ونكراناً..
أتمرُّ هذه المؤاخذات مرور الدخان العابر في الأفق ؟!
لا وألف لا..
هذا الصدود القبيح المقصود قصداً ؛وتلك الحماقات البلهاء؛وذلك الصلف والعنت ؛كل تلك الصور الكابية تكشفت أوراقها؛ وبانت خفاياها ؛ولابد من مجازاة وافية ؛تليق بها .
لقد نفد الصبر ؛وآن لك أيها المحبوب الأثيم أن تشرب من نفس الكأس التي اسقيتني منها ..
إن الغلاء الذي أسكنت في أبراجه أزمنة الهيام ؛تهاوى ؛واضمحل ؛وغامت سماؤه ؛واربدَّت جنباته؛ وترتب عليه أنني نقلتك بمحض إرادتي من أفياء ذلك النعيم الذي خصصتك به؛ إلى أرض جدباء ممرعة؛ وكسلعة تجارية نظرت إليك.
كل شيء لك في الخافق هان ..
والجزاء جنس العمل..
هاهي النفس الهلوع التي طمعت فيك ذات يوم ؛ورأت فيك قطوفاً من الجنات الحسان ؛ هاقد ألجمتها ؛وكبحت جماح شهواتها؛ فانصرفت عن تعاظمك الزائف؛ وكبريائك المصطنع ؛يائسة واليأس إحدى الراحتين ..
إنَّ عزة نفسي بعد هذه الإخفاقات ؛نفس أبية ؛ تمقت ألوان الذل والهوان ؛وترفض أشكال الخداع والمناورات التي لاطائل من ورائها.
قال جميل بثينة فأنصف نفسه وأنصفني معه:
وَإِنّي لَأَستَحيِي مِنَ الناسِ أَن أُرى
رَديفاً لِوَصلٍ أَو عَلَيَّ رَديفُ
وَأَشرَبَ رَنقاً مِنكِ بَعدَ مَوَدَّةٍ
وَأَرضى بِوَصلٍ مِنكِ وَهُوَ ضَعيفُ
وَإِنِّيَ لِلماءِ المُخالِطِ لِلقَذى
إِذا كَثُرَت وُرّادُهُ لَعَيوفُ!!
إن تجربة شاعرنا النعمي تجربة موارة بالألم ؛ لفها قدر عال من الأسى ؛تجربة مترعة بالمواقف المشحونة بالتوتر ؛والدفقات الشعورية الحادة ؛ولقد بدا لي ساخطاً ناقماً على ما آل إليه صرح غرامه؛وماتردت إليه رهاناته وتصوراته ؛فأرسل نفسه على سجيتها ؛وانسابت لغة بيانه انسياباً رقيقا ؛وتمخض عن ذلك الصراع الوجداني بروز هذه اللوحة الوجدانية المتفردة في عالم العشق ..
وإذا كان السلو قد استعصى على الشاعر الرافعي في قوله:
ويلي على متدلّلٍ
ما تنقضي عنه فنونُه
كيف السلو وفي فؤادي
لا تُفارقني عُيونُه؟!
أو عزَّ أمره؛وعظم شأنه
على الشاعر "صردر"
في قوله:
ولقد عرضت على السلو جوانحي
الحرى فلم يرهن دار مقام
كيف السلو وليس يسلك مسمعي
إلا حنين أو بكاء حمام
أو بدا أمراً غريباً منكراً عند الشاعرالأبيوردي في قوله:
أيذهل قلب أنت سر ضميره
فلا كان يوما عنك يا علو ساليا
فلقد شهد السلو عند شاعرنا الهمام انعطافة مغايرة لهؤلاء ؛وجاء قرار نسيانه -رغم الجراحات الدامية-موازياً لتلك الطعنات التي تلقاها مراراً وتكراراً؛وقديما قالوا:"لابد للمصدور أن ينفث".
تلك كانت وقفة تذوقية لنص رومانسي ؛امتدت فيه حرارة المعاناة ؛وفاح شذاها ؛ فمضيت معها مؤازراً ومستكشفاً بعض خباياها الفنية ؛وأرجو أن أكون قد وفقت في الحد الأدنى من سبر أغوارها بهذا المسلك القرائي .
لك التحايا شاعرنا الكبير ؛وتاج رؤوسنا؛على منحنا هذه التجربة الملتهبة للتأمل والمعايشة ؛ومابعد السلو ياصديق النعيم إلا الجمال الذي لايأسن ماؤه ؛ ولاتصفرُّ حقوله؛ في الحاضر والمستقبل المشرق🌹