من بين كل حروف الأبجدية أكره حرفين، حرف الراء وحرف الشين، أكن لهما حقدا عميقا، لا أدري متى بدأت القصة ولكن أعرف أني كنت أحاول قراءة الكلمات دون نطق هاذين الحرفين، أفلح في بعض الجمل وفي غالبها لا أجد مفرا ومهربا ورغم تجاهلي لا تستقيم الجملة ، فيسقط المعنى متعفرا في المكان أو هائما في الفضاء. ذات ليلة حملت هواجسي لنابغة زمانه السيد كلام، في معتزله الغرائبي ، جلست تلميذا بين يديه، كانت القوارير المصفوفة بعناية في أرففها مليئة بالحروف، ميزت قارورة تشع بحروف فسفورية وأخرى مغلقة على حروف رملية خامدة تذكرك برمل الرموس، وهناك قوارير سعة خمسة لترات تفيض بحروف سوداء ولها رائحة السم، وخليط من حروف نتنة يكتمها في قارورة كبرى تكاد تخلع قلب الإنسان. ويشاع عن ذلك العبقري مقدرته الفائقة على نسج قصص غريبة بحفنة من حروف قواريره،وعندما بحثت عن سيرته وجدته قد فاز في مهرجان القصة اللاتينية والقصة الآسيوية ، وحصد ميدالية القصة الانجلوساكسونية وسعفة القصة الأفريقية!
أخبرته بكرهي للحرفين وسألته طريقة أتجنب المرور بهما في قراءتي وكتابتي، لأني يئست من المحاولة. كانت بعض الجُمل ملتصقة بحرف الراء أو الشين التصاقا يصعب ازاحتهما.
رفع رأسه عن مخطوطة بين يديه وقال:
-الأمر بسيط ومعقد في نفس الوقت.
ازددت حيرة، فقلت له وكيف يكون؟
ابتسم ، فرقصت الحروف على صفحة وجهه:
-تحتاج إلى مهارة لا تتأتى إلا بالتجربة!
ثم التفت ناحية الرفوف وأشار إلى قارورة الحروف الترابية، نفض بعض الغبار عن كلماته:
-هذه الحروف تعكس تلك الدروب، هذه من أديم أرض المقبرة، وطأتها صغيرا ثم شابا ثم شيخا ولازلت، وفي كل مرة التقط بعض حروفها، الناس لا يلتفتون إليها وحتى أنت، لذلك إذا تأملت في هذه القارورة، ومد يده وحملها، ستشعر بوحشة وسكون.
لا أدري إلى ماذا يلمح، لم أهضم كلماته ويبدو أنه كان يقرأ أفكاري ، فأدار وجهه نحوي وقال:
-حرفا الراء والشين لايزالا قابعين هناك في دهاليز نفسك، عد إلى بيتك وانزل إلى قرارة روحك وقلبك ، تأمل طويلا في جذور الكلمات الأولى التي تشكلت بهذين الحرفين، حتما ستجد مفتاح الكراهية الصدىء معلقا هناك على مسمار هو شماعة بغضك لهما. تكهرب جسمي بكامله، وأنا أصغي إليه، قمت متثاقلا وأنا أريد الخروج فصفعني بكلمات فسفورية بقيت تشع معلقة في رأسي :
-كل الفروع تعود إلى جذورها، وجذور حرفيك تكمن في تلك الشجرة الصغيرة التي ترعرعت في غفلة منك، هناك في أعماقك.