ألمح نُثارات خُطى
ويلفحني الإعصار فتضيع مني تضيع..
أصادف أشلاءها وأنا أتمرغ في البيد أسربة المياه،
أكانت تلك التي تومض خطواتهم
أم أدمع نجمةٍ عمياء ضّلت الدرب
ولم يعد يوجهها قلبها!
غارقةٌ في الوهم والتنبؤات، يهزأ بي حدسي،
يمتد توهاني بلا معالم للنهاية،
هذه الصحراء الشاسعة التي انغرزتُ فيها
لا انتهاء لها ولا ابتداء،
تكشيرة الصبار في صدري تُعيد لي اللقطات
من قصصٍ خُضتها مع العواصف والحرمان،
والغربان من فوقنا تحوم مثل متوعك،
تنعي خطيئة قديمة بنشيجٍ لا ينقطع!
أَهُمّ لمناجاة السماء،
لكن الظمأ يُعرّيني من اللغة،
أتهجأ الرجاءات بفمٍ متجمد
كل حرف يخرج بثقل حجر،
أخاطب روحي، أتراني أحتضر!
أستحضر من ماضيّ مغبة إحسانٍ بذلته
لعل مردوده يتخللني مثل ماء..
في غياب اليقين، وتشوش الرؤى،
تصبح ترانيمي أَشبه بتراتيل المآتم،
يستحوذها الرُهاب والكمد،
وفي هذه الظروف العقيمة إذ لا معنى هناك
ولا مغزى،
أكابد ومشقة الطريق تُعزز مشقتي،
مُلقاة في التيه مثل الكثرة، أنا وتأويلاتي الساذجة،
نُحدق في فجيعة اللا انتهاء من غير توقعات ولا أمل،
نهوي في دوار الجهالة، فكم من أزمنة ترمدت ونحن واقفون نجمع فجائعنا ونُصيّرها مسيرة!
لم تعد أزماننا مُعبّدة،
أُلقيتُ في صحراء خامدة كالبركان،
أدور في كل اتجاهاتها وأعود إليها،
تمخرُني الدروب لأختبئ خلف ما خلّقته الريح
وجسدت منه هيئة،
آهٍ من هذا التيه، فما كنتُ أتحرى لنجدتي السيّارة
ولستُ خيارًا شهيّا لجائع مفترس،
كان هنالك شيءٌ يُغيبني، يُصيرني غير ملحوظة
يسلبني الرؤى يُعرّيني من القوى،
يعرضني لاختبارات تُنسيني ضياعي،
حتى أحنّ للدرب الطويل والغربان!
ما كان يرعبني في هذه المسخرة كلها
سوى العلامات الواضحة
التي تعلَق في الروح كندبة غائرة لا يمكن تأثيثها،
كلما تقدم بي الزمن أخاف المفاجآت التي تأخذني
في لحظة خواء أعيشها ،
ومخزوني من الحيل والخطط فائضٌ بالفراغ..
أربكتني المفاجآت فصرت في تناقضات
لا حصر لها،
لكني على الأغلب مثل الضحية الناجي،
أكابد في جعل يوم واحد يمر عاديًا وَواضحًا،
أرى الانتكاسات تَتمة لمسيرة مضت،
ولم تزل تمضي
وليس من نجاة صريحة الخطوات،
في حالة كتلك يُعد ترك الأيام تصب في مجراها
حلٌ ملائم لي،
والتخطيط يعد كارثة لا يسمح بها الوجود،
مناخات الأيام التي أتركها تمُر، توشك أن تصبح ريحًا عاتية لو أحاول فقط أن أبتكر خطة لمحاذاة النجاة:
حينها لن يكون هناك ولو غراب واحد يواري سوءة خطيئتي،
وحدي ستحملني جموع الخطايا للمساومة بي كقربان
مقابل جنحة وجودية في نظر الحياة!
لا أحد يظفر بالنجاة وحين تشعر بالهدوء لوهلة،
فلا تتوقع أن مباغتة موجة وحشية لك ستكون بعيدة،
حين يكون المناخ صفوًا أكثر من اللازم،
لابد أن تهلع
فمن جوانب الهدوء تتسلل العاصفة..
لقد تعلمت ألا أهرع بحثًا عن الأسباب،
ولا أستبق الحوادث،
أسترخي مثل شُعلة، أحترق على الدوام،
تُعيدني دواعٍ غامضة، تُرمّدني كذلك،
لا أتذكر متى آخر مرة مرغتني غواية الماء!
كانت ثمة احتجاجات خافتة تَعبُر لي،
لكن ما حاجتي إلى اقتراف الأسئلة واستنكار اللحظة
والمأساة تجثم أمامي، وفي مداي يتناثر حُطامي!
كم أنت بعيد أيها الخلاص
كم هي الصحراء صعبة المراس
والدروب موغلة في العدم
أشد عمقًا من الضياع..
أمتثل لتسريع مهمتي الوجودية
" بعمى ورُهاب وَدوار وَخشية"
أخلّف وراءي قطيعًا من الأيام تعوي لحظاتها
وعواطف تاهت في جلبة هذه الملحمة
عصيّ هذا التيه حتى على المعجزات والهبات:
إنني الكائن الوحيد الذي يموت لمرات،
ويحيا ما بينهما لمرة مثل خطيئة بيضاء لا تترُك أثراً
مثل دويّ لخطوة عويلها يدل على أنها لن تصل .