تَجْتَاحُنَا الْكَثِيْرُ مِنْ جُثَثِ الأَفْكَارِ الْخَربة فِي
سُطُوْرِ النصوص الْمَطْوِّيَةِ،
وَكَأَنَّهَا تصفُ الْكَلِمَاتِ بِوَاقِعٍ يُثِيْرُهُالْمُحْتَوَى الْدَّاخِلي
فِي بَطْنِ الْنَّصِ .
فَلاَ أَحَدَ أَكْثَرُ شَرَاهَةً عَلىَ تَمَلُّكِ الْعَالَمِ مِنْ الْكَاتِبِ ،
لأَنَّ الْكَاتِبَ يَمْتَصُّ الْعَالَمَ وَيُحَوِّلهُ مِنْ وَاقِعٍ إِلَى رَمْزٍ ،
إلى صَنْفٍ مَرْسُوْمٍ،إِلَى رُؤْيَةٍ يَتَدَاوَلُهَا الْقُرَّاءُ كَحَرْبٍ،
وَنَزْفٍ،أو ككوثرٍ يَسْتَهِلُّونَ مِنْهُ الإِمْتَاعَ ، وَالإِعْجَابَ.
عَلِيْنَا أَنْ نُدْرِك أَنَّ الْكَاتِبَ الْمُحْتَرِفُ هُوَ الْذِّي يَنْتَبِهُ
لِفَوْضَى الْحَيَاةِ مِنْ ظُرُوْفٍ،وَمَوَاقِفٍ،وهَنَّاتٍ يَنْجَحُ
فِيتَصَيُّدِهَا كَمُفَكِرٍ،لِيُقَوْلِبَهَا فِي نَصِّهِ كَمَادَةٍ.
هَرَبَ فِيْهَا مِن الْعَالَمِ،يَعِيْشُ فِي دَاخِلِهَا دُوْنَ خَوْفٍ
لِيَعْبَرَ بِهَا إِلىالْخَيَالِ مُطَبِّبَاً إِعْوِجَاجَ الأَسْبَابِ بِطَرِيْقَةٍ
فَنِيَةٍ يَتَعَاطَاهَا بِشَغَفٍ،وبِاحْتِرَافِ كَاتِبٍ مُذْهِلٍ يَنْجَحُ فِي
تَعَافِي الْفِكْرِ الْبَشَرِي مِنْ ثِقَلِ الاعْتِيَادِيَةِ إِلَى رُؤْيَةِ الْوَاقِعِ
بِنَظْرةٍ مُتَجَدِّدَةٍ تَعْكِسُ لَنَا أَذْوَاقَ الْقُرَّاءِ
مِنْ خِلاَلِ خَلْخَلَتِه لِلسُلْطَةِ الْمَادِيةِ،وَالْرَمْزِيَةِ،وَالْرَأَيِ الْعَام،
وَخُرُوْجُهُ مِنْ صَنْفِ الْمَفْعُوْلِيَّةِ، وَالْخُضُوْعِ الأَعْمَى
إِلَى فَضَاءٍحَضَارِيٍ يَشْحَذُ بِهِ ذِهْنَ الْقَارِئِ
بِطَاقَةِ الْنَاقِدِ ضِدَّ هَيْمَنَةِ سُلْطَةِ الْوَاقِعِ الْذِّي مِن الْمُمْكِنِ
أَنْ يُشَوِّهَ الْمَعَنَى الْحَقِيْقِي لِلْمَرْئِيَات .
وَإلاَّ فَكَيْفَ يَنْجَحُ تَعَاطِينَا اللُغَوِي مَعَ الْجَانِبِ الْنَاعِمِ للإِنْسَانِ؟
عاطِفَتُهُ،وِجَدَانُهُ،أَفْكاَرُهُ،أَحْلاَمُهُ كَذَلِكَ،
فكُلُّ هذه الْجَوَانِبِ مُجردَ جُذُوْرٍ
يَرْبـطُهَا الْكَاتِبُ بِذَكَائِهِ مَابَيْنَ مُتَرَادِفٍ،وَتَضَادٍّ،وَصُوْرَةٍ
حُرَةٍ تَتَسِعُ،أَوْ تَضِيْقُ تحت تَأَوِيْلِ لُغَةِ الْقَارِئِ
الْتِي أَيْنَعَتْ بِدَلاَلاَتِ الْمَجَازِ،وَرُقِيِّ الْفَنِّ يَرْبُطُ بِهَا تِلْكَ التصورات .
كُلُّ ذَلِكَ مِنْ وَاقِعٍ مُتَخَيَّلٍ يَرْصُدُهُ الْكَاتِبُ ،
ويُنْهِضُّ مِنْهُ حِوَارَاً بَيْنَ قُوْةِ الْكَاتِبِ،
وَرُقِيِّ الْقَارِئِ بِوْقُوِفِهِ عَلىَ نَصِّهِ كَحَاكِمٍ يَسْتَجْلِبُ
مِنْ خِلاَلهِ لَوْحَاتٍ مُتَلاَشِيَةٍ
تَتَجَمَّعُ فِي نَهْضَةِ الإِبْدَاعِ،والْرَصَانَةِ.
يُؤَكِدُ الْكَاتِبُ لَنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْخَيَالَ يَخْلُقُ إِطَارَ الْذِّكَرَى مُتَجَرِّدَاً مِنْ نُبُوْءَةِ الْوَاقِعِ.