تلقت اتصاله بفرح شديد ، عندما أخبرها أنه قادم لزيارتها ، قامت تجر خطاها المتثاقلة نحو حجرة المطبخ الصغير ، الذي اعتادت أن تعد له طعامه فيه في صغره يخفق فؤادها ، أنساً بمقدم ابنها وهي تعد الشاي والقهوة ، وتضع بعض الحلويات والمكسرات ، وتحملها بي ٍد مرتعشة ، وقوام منح ٍن ، لكن بقلب سعيد نابض فرحاً فهذا اليوم هو يوم الجمعة ، الذي اعتادت أن يزورها في حلته الجميلة ، وعطره النفاث الذي يخنقها ، ويزيد حالة الربو التي تعاني منها ، لكنها لم تخبره يوماًكي لا تفسد عليه زينته ونشوة شبابه . وصل أخيراً وسلم عليها ، وجلس مقابلاً لها وهي تقرب منه الطاولة ، وتسكب له القهوة ، ويداها المرتجفتان تمسكان ببعض تلك الصحون ، كل ذلك يحدث وهو يبتسم ويتابع إصبعه الساكنة على شاشة هاتفه الجوال لا تغادرها .
تفتحت أسارير الأم عندما رأت تلك الابتسامة المشرقة على محياه ، ظناً منها أنه سعيد بضيافتها وما تصنعه له إلا أنها اكتشفت أنه لم ينتبه لكل ما صنعت ولم يدرك أنها ارتبكت قدماها مرتين ، قبل أن تتمالك خطواتها في طريق عودتها لسريرها الذي تجلس عليه مقابل ابنها المنشغل مع محادثاته الإلكترونية ، وقدكادت أن تقع على الأرض . تسللت البرودة إلى فناجيل القهوة والشاي ، وبردت فرحة الأم وهي تنظر إليه
حين رن جرس هاتفه ، وخرج ، ليتلقى مكالمة من أحد أصدقائه ، ولم يدرك نفسه إلا بعد أن توقفت سيارته أمام إحدى الاستراحات ، بينما هي تراقب طاولتها العتيقة المتألمة لألمها وحسرتها.
دعت له بالتوفيق والصلاح حين اتصل بها نهار اليوم الثاني ، مبرراً خروجه لأمر مهم ، وواعداً إياها بزيارة ، قد تكون أشد سوءاً من سابقتها .