يشتد الوخز في صدري يسارا ، كما يشتد اليأس تتجمد الدموع في عينيّ من أنا ؟! ومن أين أتيت ؟! لماذا لا أشعر بانتماء لهذه الأرض ؟!ولحقولها الخضراء ؟! رغم أن الناس هنا أحبوني وعاملوني كواحد منهم !!! حدثوني كثيرا عن الحرب بين العرب والصليبين ؛ فقد أكون أحد الجنودالمفقودين .. الشمس تسحب رداءها ؛ تترك الأرض والحجارة ملتهبتين ؛ أتأمل ظلي الذي أصبح أطول مني اسأله : هل تعرف من أنا ؟ ومن أين أتيت ؟اسير بمحاذاته ، أركض وهو يتبعني ، وجدته يختفي في الظلام الذي هبط تدريجيا دوني … القرويون يعودون إلى بيوتهم في هذا الوقت بنصف ابتسامة ، وكثير من التعب والحزن .. دموع الأمهات تكنس الألغام والآثام ، ترى من هي أمي ؟ أعود كسير النفس منكسا رأسي وحيدا ككل يوم منذ خمسة عشرة عام . غرفتي قريبة من منزل المختار بناها لي ابناء القرية ، أقضي مساءي مع ذكريات لا ذاكرة لها ، اصنع قهوة ، افتح التلفاز ؛ أدير القنوات ، أشعر بالملل اتوقف فجأة أمام قناة المملكة العربية السعودية ؛ يتدفق الدم في عروقي تنتابني القشعريرة حينما يرتفع الآذان في المسجد الحرام ؛ أشعر أنني جزء من هذا الصوت الذي آسر القلوب ، أشعر أنني جزء من من تلك الروحانية . هل يعقل أن أكون من تلك البلاد ؟! هل أنا من حجارها الطاهرة ومن تربتها النقية ؟ أدير القنوات اشاهد برنامجا مناطقيا جنوبيا يصطف الرجال يؤدون الخطوة الجنوبية انتصب في الغرفة وحيدا أقدم رجلا وأوخر أخرى ، انتشي كما ينتشون وأردد معهم دون صعوبة في فهم مايقولون ، لغة الجماهير التي يقابلهم المذيع ليست صعبة أشد لحافي المصنوع من السدو بأيدي الأمهات الكبيرات في السن المصنوعة من الصندوق وأنام على حلم باهت استيقظ على طرقات جاري لنؤدي صلاة الفجر في المسجد وبعد الصلاة جلس الإمام في مواجهة المصلين ؛ سأل ؛ من منكم ينوي الحج هذا العام ؟ أجابه رجلان عن استعدادهما للحج مع عائلتيهما ، وانهما يقومان بقضاء ديونهما ويودعان لدي معارفهما مستودعاتهما من المحاصيل والذهب والأغنام ،كل ذلك وأنا مطرق الراس ، حائر قال أحدهم : (وحد الله يازلمة ) شوبك؟ تدخل رجل ثان وقال لماذا لا تذهب للحج لعل أحدهم يتعرف عليك هناك .لم تكن الفكرة مشجعة ، فقد لاأكون من هناك أو قد لايتعرف علي أحد من حجاج العالم المسلم .. ولم يعد معي قلب يتحمل نكبة جديدة …لكن العمدة قال علي إعداد حجك لهذا العام قربا لله وبرا بوالديّ . لن تخسر شيئا هنا ،وضحك كعادتهم هنا نصف ضحكة .. أحمل بضعة ملابس ورداء يقيني البرد وأحدق في البحر ، أقدف اسئلتي الملحة فيه فلامجال للتراجع أو العودة . السفينة تشق عباب البحر ، رائحته تستفزني أكاد أقسم أن ملح جسدي من هنا، يغني البحارة على بحر جدة وديني ؛أقف ، يضحك من حولي .. أجلس خجلا أعرف هذا اللون من الفلكلور ، أعرفه جيدا يستمر البحارة يستعرضون ألوانا من الفلكلورات المصرية والينبعاوية ، وأنا مختبيء في صمتي وبعد ثلاثة أيام وصلنا ميناء جدة سجدت فوق ترابها دون أن أفهم فوجئت بالمسئول يسألني عن أوراقي الثبوتية ، لم استطع أن ا فتح فمي .كان أحد الضباط يقترب مني صارخا معيض ، اقترب مني وضمني حتى بكيت هناك وشيجة تربطني بهذا الرجل ، حدثهم عني وأنني كنت جنديا سعوديا فقد حتى ظن الجميع أنني مت في الحرب . سقطت مغميا عليّ ، أفقت والجميع حولي ، زوجتي وابنائي ،أمي ، جيراننا ، زملائي ، الإعلام وفي خلال شهر تم استخراج أوراقي الثبوتية لتعود إلي حياتي الخضراء كعلم وطني سعيدا بابنتي التي رأتني لأول مرة وهي في الخامسة عشرة من عمرها . لروح أبي الذي فقدته في غيابي ، لذاكرة أمي زرعة التي تصيب حينا وتخيب أحيانا ،لزوجتي سفرة التي لبست ثوب الحداد ورفضت مغادرة بيت أهلي ..