حينما سألني صديق الشعر فقال : لماذا لم نعد نجد لدى الشعراء وصفاً للطبيعة في حين أن أجمل الشعر العربي القديم كان أغلبه في وصف الطبيعة ؟
تأملت مقالته وسؤاله ، وفتشت في ذاكرة الشعر الحديث ، وسألت قصائده وشعراءه ، فوجدت أن الشعر مرآة الحياة التي لاتخطئ مكامن الدهشة والجمال ، ومفتاح النفس ، وترجمان الروح ؛ وعندما كانت الحياة مرتبطة بالبيئة أشجارها وأنهارها وسهولها وجبالها وكان الشاعر يعيش لحظات الطبيعة البكر ، وتفاصيلها كان كل ذلك ينعكس على النص حين كتابته .
وأما في عصر الشاشة والإنترنت والتقنيات التي خطفت الناس إلى فضاءاتها وأبعدتهم عن منابع البيئة الطبيعية فلا بد أن نجد انعكاس ذلك واضحاً جلياً في العمل الأدبي وفي الشعر خصوصاً لأن الشاعر مرآة حساسة لواقعه وبيئته .
ومن جهة أخرى فأنا أعتقد أن الشاعر الحديث ، فقد الكثير من خصائص الشاعر الحقيقي ؛ فحينما نجد الشاعر الأول يصف ناقته وخيمته ومرابع صباه ويصف كل ماتصل له عينه بصدق وشفافية بل ويضخ فيها أنهار مشاعره وفيوضات نفسه ؛ فإننا لا نجد الشاعر الحديث يمارس نفس الدور ، فنجده منكفئا على خلجات نفسه وتهويمات خيالاته ، دون الهبوط للواقع ومحاولة شعرنته كما فعل السابقون ، و كل هذا لأسباب لعل من أهمها :
أن الصورة الشعرية أصبحت أقل تأثيرا في ضوء الميديا الحديثة ، فالشاعر الذي كان يضرب في الصحراء ، وعبر بيئته ، ثم يعود ليقول عن مغامراته فيبهر المتلقي بكمية هائلة من الصور الشعرية ؛ أصبح الآن وأمام فتنة الميديا لا يجد مايبهر المتلقي ، فعزف عن التصوير المباشر وأخذ يغوص وراء استكناه الغامض ، وتقليب خلجات الشعور ، وباتت الصور الشعورية أكثر حضوراً من الصور الواقعية ، بل وأصبحت المباشرة تهمة ينفر منها الشعراء . ولا أعلم هل اقتنع صاحبي بما قلت ، أم أنه غاص في كتب الشعر القديم باحثاً عن تصوير للطبيعة يروق له أن يتلمسه في صورة شعرية .