بقلم / محمد سلطان الأمير
العِيد والغِياب
*كُـلُّ المَـوَاعيدِ خانَـتْـها المَواعيدُ*
*سِيَّانَ إنْ غِبْتَ أو وَافَيْتَ ياعيدُ*
*تَقَـطَّعَتْ بَينَنا الأَسْبابُ وافْتَرَقَتْ*
*دُرُوبُـنا، وَاسْـتَـوَتْ أيَّـامُنا السُّودُ*
*شَطَّتْ بِنا الدَّارُ، أَنْسَـتْنا ملامِحَنا*
*حَتَّى اغْترَبْنا وأَدْمى خَطْونَا الْبِيدُ*
*وَمَضَّـنا البُـعدُ وَجْـداً ما نُغَـالِـبُهُ*
*زَفِـيْـرُهُ الآه تَـكْـوِي والتّـناهِـيْـدُ*
*كيفَ افْترقْنا وَهَـمْسُ الحُبِّ يجمَعُنا*
*ومـا التَـقَيْـنا، وحَـبْـلُ الـودِّ مَـمْـدُودُ*
*ولَـوَّعَـتْـنا لَـيَـالٍ صَـفْـوُهـا كَـدَرٌ*
*أَدنَى تَـبَارِيْـحِـها هَـمٌّ وَتَـسْـهِيْدُ*
*تشِـيحُ عَـنَّا أمَـانِـيْ الحُـبِّ لَاهِـيَةً*
*وتصْطَفِينا على البَلْوى المَوَاجِيدُ*
*ياعِيدُ أيْـنَ التي كانَتْ إذا خَـطَـرَتْ*
*يَخْـتَـالُ بَـدرٌ، وتَـنـسَـابُ المَـوَاعِـيْدُ*
*تِلْكَ التي تَمْـنَـحُ الأعـيادَ بَهْـجَـتَها*
*أو رُبَّـمـا أَنَّـها كـانَـتْ هِـيَ الـعِـيْـدُ*
*مَـا بَـالُـها نَسِـيْتْ لَمْ تُهْـدِنا قَـمَـراً*
*في لَيْلَةِ العيدِ، هل يَحلُو لَنا عِيدُ*
🍃 *محمد النعمي* 🍃
*بيش*
👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏
لموسمِ العيد المجيد نكهته الخاصة؛ ورونقه الروحاني الذي لاينفصل عليه؛وكلٌّ منا يراه من مرصده الخاص تبعاً لأحواله النفسية والاجتماعية وتقديراته الذَّاتية.
ولما كان الشعراء أكثر النَّاس اتصالاً بالمشاهد الكونية؛ وأكثر الناس تفاعلاً معها وشعوراً بها وتغلغلاً في بواطنها ؛فإنَّ نظراتهم لمشهد العيد ومراسيمه وطقوسه ؛تسترعي الانتباه؛ذلك لأنَّهم يرون مالايراه عامَّة النَّاس؛وإن بصائرهم المشحوذة ؛لتستطيع التقاط المشاهد الدقيقة ؛وتسليط الضوء عليها بجلاء ؛من خلال تلك الحساسية المرهفة التي أودعها الله بين جوانحهم.
ولقد أطلَّ علينا شاعرنا الكبير الأستاذ الرائد النعمي بأنغام قصيدته المرنانة في موسم العيد؛فأشجانا بمعانيها الوجدانية ؛وأسرنا بانسيابية لغتها المحكمة ؛ بعيداً عن ضجيج قصيدة المتنبي المشهورة؛وطنطنتها.
ولا غرابة أن يشعل في أعماقنا نيران الحنين؛ ولواعج الشوق المرير؛ فمن وراء عدسته الشعرية لانستجلي سوى الصدق الفني؛والشفافية الآسرة؛والروح الرفافة رفيف الفراشات في الحقول الخضراء.
إنَّها قصيدةٌ جزلة رقراقة؛ أنغامها تسري في الآفاق دون عناء ؛سريان المسافر في الليلة القمراء
فماذا عسى أن أقول أمام المواعيد الخائنة؟!
ماذا أقول وقد بدت (لغة التعميم) هنا حاسمة لامجال لنقضها أو العبوس في وجهها؟
وإذا تساوى حضور العيد وغيابه -وهو الواقع الذي نلمسه جميعاً- ؛فأين هالات الفرح المنشود؟!
وإذا اتسعت مساحات الأيام السود؛ فماذا سيبقى من فراغٍ للأيام البيض؟!
وإذا تباعدت ديار الأحباب ؛وخلت القلوب عن تلك الروابط الحميمة؛والعلاقات الإنسانية الدافئة؛ فمتى تعود إلى بساتين الأُلفة والمحبة؟!
لقد طرق شاعرنا سلسلة من العذابات؛وترجم لنا ألواناً من الآلام التي تصحبنا بكرةً وعشيَّا؛وجاءت انطلاقته الذاتية الصِّرفة؛ متطابقة مع النظرة العامَّة المجتمعية؛ومتعانقة مع شجوننا المحتدمة(فالهَـمٌّ وَالتَـسْـهِيْدُ) يترصدان بنا في كل مسلك؛والاغتراب صار زاداً يومياً؛ نلمحه حتى في الأشياء البسيطة ؛والأمنيات التي ضربنا الخيام حولها؛وعكفنا في محاريبها؛ ووقفنا نناشدها أن يلين لنا جماحها؛ألفيناها تلهو بنا ؛وتعبث برغباتنا؛وتلقي بها في مهبّ الريح ؛وكأني بصوت شاعرنا يعانق صوت جورج جرداق
في قوله:«سوف تلهو بنا الحياة وتسخر».!
لقد بدت تساؤلات شاعرنا كالأجرام السماوية الناريَّة ؛أقضت مضجعه طويلاً؛وأقلقته تداعياتُ السواد الجاثم الذي غلَّف الكون بأسره؛ولنا أن نصغي إلى هذا البوح:
ياعِيدُ أيْـنَ التي كانَتْ إذا خَـطَـرَتْ*
*يَخْـتَـالُ بَـدرٌ، وتَـنـسَـابُ المَـوَاعِـيْدُ*
*تِلْكَ التي تَمْـنَـحُ الأعـيادَ بَهْـجَـتَها*
*أو رُبَّـمـا أَنَّـها كـانَـتْ هِـيَ الـعِـيْـدُ*
*مَـا بَـالُـها نَسِـيْتْ لَمْ تُهْـدِنا قَـمَـراً*
*في لَيْلَةِ العيدِ، هل يَحلُو لَنا عِيدُ؟!
إنَّها تساؤلات شاعرٍ ؛احترقتْ أعصابه في أتون الانتظار؛
إذ كلُّ شيء من حوله ساكنٌ لاحراك به؛وكلُّ المؤشرات لاتنبئ بانقضاء أمد الغياب الطويل.!
وباختصار فإن معادلة (العيد والغياب)عنوان النص
تشكلت حقيقتها؛وتبلورت عناصرها في سياق هذا النص الرومانسي الشجي.🌷
أيها الشاعر الرائد لاعدمنا أنغامك المرنانة؛ ولا أخيلتك الوثابة؛ولا إبداعاتك السلسة ومذاقاتها الأصيلة.
ولايسعني في ختام هذه الدندنة إلا مشاطرتك أشجانك المتدفقة؛مستعيراً من شاعر النيل قوله:
إِنّي كَهَمِّكَ في الصَبابَةِ لَم أَزَل
أَلهو وَأَرتَجِلُ القَريضَ وَأَعشَقُ
طاب بك الشعر أبامازن وكل عام وأنت ومن تحب على ظهر البسيطة بخير وعافية وسرور دائمٍ مستديم
🌷🌷🌷🌷