قرعت النافذة بقوة، ولكن الممرضة أشارت إلي بيد مفتوحة واليد الأخرى بثلاثة أصابع، لم أفهم ما ترمي إليه، فرفعت عينة البول فجاءت إلي غاضبة وقالت:
الدوام الساعة الثامنة، فقلت لها استلمي مني العينة فقط فقالت: آسفة وأغلقت النافذة وأدارت ظهرها ومضت.
بقيت في حيرة من أمري فالساعة الآن تشير إلى السابعة تماما، فقلت في نفسي سوف أذهب إلى عملي وأقوم بإثبات الحضور ومن ثم أعود لأسلم العينة.
عندما هممت بالخروج رأيت الطبيب يدخل من الباب فقلت الحمدلله سيساعدني في استلام العينة، فسلمت عليه وقلت له عندي عينة وأريد تسليمها للمختبر، فقال لي: سلمها للممرضة فقلت له هي موجودة بالداخل ولكنها ترفض استلامها قبل الثامنة، فهز رأسه ودخل وأغلق الباب.
ذهبت إلى عملي والعينة في يدي ممسكا بها كمن يمسك عصفورا يخشى عليه من الهرب.
أسبوع مضى أحاول أن أجمع عينة البول من صغيرتي ذات العشرة أشهر. في كل ساعة أرخي حفاظتها كي أحاول جمع تلك العينة بدون جدوى. أترقب نزول بولها بعد كل شربة حليب. تمضي الأيام والساعات أفشل في جمع تلك العينة كمن يحاول اصطياد سمكة بيده. لم تفلح محاولاتي إلا بعد أن تركتها تلهو بدون حفاظة، وبعد أن أغرقتها بسوائل حتى كادت تتقيأ بها. أمطَرت المكان كحمل صغير، أخذت أركض خلفها وبيدي علبة العينة، نسيت أن أفتحها، تعثرت وأنا أركض خلفها وهي تهرب مني وتضحك وكأننا في حوض صابون زلق عصي على الإمساك.
بعد أن أمسكت بها وضعت العينة على نهاية الاندلاق، حصلت على قطرتين ربما لا تكفي لتحليلها، ولكن عزمت على تسليمها مهما كلف الأمر.
في يوم حار ورطب دخلت على مديري وأنا أحمل العينة فانتفض غاضبا، فشرحت له الوضع، وخشيت إن تركتها خارجا أن تفسد وتضيع محاولاتي سدى. أمرني بالخروج سريعا لتسليم العينة، وكل من رآني من زملائي في العمل أخذ يضحك علي حتى أن بعضهم دعا لي بسخرية بأن تكون النتيجة إيجابية ويتم لي الحمل بتوأم.
بقي من الوقت خمسة وأربعون دقيقة على وقت تسليم العينة، ذهبت إلى الفوال، وضعت العينة على الطاولة وطلبت طبقا من الفول مغطى بالسمن البلدي. حدّق فيّ العامل ثم حدّق في العينة ومضى.
بعد برهة وضع طبق الفول والسمن الأصفر يتماوج فوقه، بعض الحاضرين كان ينظر إليّ بقرف واشمئزاز، وبعضهم مرّ بجواري وهو يقول: الله يشفيك، ولكني تظاهرت باللامبالاة وأكملت فطوري.
خرجت من الفوال، والوقت يتمطى بارتياح كأنه يعاند المضي قدما. بقيتْ نصف ساعة والجو حار ومشمس. رفعت العينة في وجهة الشمس وكأني أعاين ماسة ثمينة. حاولت وضعها في جيبي برفق ولكن خشيت أن تندلق وتُكر السُبحة في محاولة الحصول على عينة جديدة، غطيتها بيدي وذهبت إلى مقهى شعبي كي أبدد ما بقي من الوقت. طلبت كوب ينسون كي يهدأ من روعي، وبعد أن وضعه النادل على الطاولة، تحيرت كيف أشرب. وضعت العينة على الأرض ولكن خشيت أن أركلها بدون شعور. وضعتها بجانبي ولكنها لم تكن ثابتة. وضعتها على الكرسي المقابل فخشيت أن يسحب أحدهم الكرسي وتسقط العينة. أخيرا وضعتها بحزم أمامي على الطاولة، تأملتها جيداً فكان لونها أشبه بلون الينسون. بعد أن أنهيت الكوب على مهل خرجت متوجها إلى المستوصف. وصلت بتوقيت الثامنة تماما، ولكن المكان كان يعج بالمرضى. توجهت إلى المختبر، طرقت الباب ولكن لم يجبني أحد. فتحت الباب فوجدت الممرضة تسحب عينة دم من أحدهم فقلت لها لدي عينة أود تسليمها فقالت انتظر دورك، فقلت لها أريد تسليم العينة فقط وأمضي، فردت عليّ بغضب انتظر بالدور.
خرجت إلى غرفة الانتظار فكان هناك خمسة مرضى أمامي، تنهدت بحسرة وجلست. بعد مضي ساعة من الزمن نادت عليّ الممرضة وقالت: ما عندك فقلت: عندي هذه العينة لصغيرتي أود تسليمها فقط فقالت: اذهب إلى الاستقبال وأحضر لي كشف مدون عليه اسم المريض وبياناته، فقلت: أنا مستعجل وأريد تسليم العينة فقط. فقالت: لا أستطيع استلامها من غير كشف مدون عليه بيانات المريض وإلا ضاعت العينة. ذهبت إلى استقبال المرضى وكان الطابور طويلا وقفت في الطابور قرابة النصف ساعة، وحين وصلت إلى الموظف طلب مني هوية المريض فقلت هي ابنتي وأنا أحفظ جميع بياناتها، ولقد كانت الأسبوع الماضي لدى الطبيب المعالج وبياناتها موجودة في الحاسوب لديك! فرد عليّ متأسفا بأنه لا يستطيع طباعة الكشف من دون الهوية. بعد أن يئست من النقاش معه انسحبت من الطابور وذهبت إلى المنزل وأحضرت الهوية، وعدت مسرعا. ذهبت إليه مباشرة كي أخبره بأني أحضرت الهوية، ولكنه طلب مني الوقوف مرة أخرى في الطابور وكان الطابور مضاعفا هذه المرة، وقفت في آخر الصف بحسرة وأنا أقبض على العينة في يد، وعلى الهوية في يدٍ أخرى.
بعد مضي ساعة من الزمن حصلت على الكشف وذهبت إلى المختبر مباشرة. طرقت الباب خرجت إليّ الممرضة وطلبت مني الانتظار بالدور. انتظرت حتى جاء دوري. لم تستلم العينة مني ولكنها أخذت الكشف وقامت بتعبئة البيانات على ملصق ثم طلبت مني بأن أضع الملصق على العينة ثم أضعها في صندوق مخصص جُمعت فيه عينات كثيرة. حاولت أن أضع الملصق على العينة ولكنها فرطت من يدي ووقعت على الأرض واندلق السائل منها. تجمدت مكاني كمن دلق عليه ماء باردا. نظرت إلي الممرضة وقالت ببرود خذ عينة جديدة وآتي بها غدا فالوقت شارف على الزوال ولا نستقبل عندها.
خرجت وأنا في نصف وعيي مشدوها. لسعتني الشمس بحرارتها وأنا ممسك بعينة فارغة. رفعتها عاليا، تذكرت السمن والينسون وصفرة الشمس التي كانت تشبه العينة، كانت تدخل خيوطها في العينة وتخرج فارغة تماما مثل ما انتهى يومي.
السبت 7 ابريل 2023م