أهلاً بــأصحاب الحروف المخملية
- 29/11/2023 bestproblog
- 27/11/2023 עיסוי טנטרה בסן פרנסיסקו
- 23/11/2023 bestgrou
- 16/11/2023 protopsocial
قبل قليل لم أجد نفسي- التي ربما اعتدت غيابها المتكرر عن واقعي المؤقت-
أثناء ممارستي دور كائن حيٍ في مشهدٍ متقطع لا يتعدى بضع دقائق.
قياسًا على مؤقت ساعتي الرملية.
أو ساعة هاتفي ذي الشاشة البنية التي بالكاد تبين من أثر الرضوض.
و لا تبتعد كثيرًا عن عدد الخيبات التي واجهتها منذ أمد بعيد.
ولم أستطع تجاوزها حتى بداية العام المنصرم.
العام الذي فقدت بمطلعه جميع مدخراتي من الهبات الزهيدة التي تلقيتها كمكافآت أثناء تأديتي لوظيفة كومبارس المزرية.
وبعد فترة قصيرة، أيقنت أن طموحي في أن أصبح فنانًا عظيمًا ينشر الحب بين الناس، ويضع البسمة على وجوه المشاهدين قد تلاشى.
وضعت جميع أشرطتي في سلة المحزنات…
أغلقت صفحة فيسبوك ;شفقة على أصدقاء يحاربون الكآبة بشق الأصابعِ.
قلت : غدًا سيكون أجمل…
ومثلت على نفسي دور النائم، كي أستيقظ على خيالٍ أجمل من سابقيه ،أو دعوة من الواقع; لأستأنف وظيفتي الوحيدة التي لا أجيدها،
ولكن ذلك الغد لم يأتِ بعد.
والآن بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على غفوتي،
لا يمكنني التمثيل على نفسي كما كنت في الماضي،
وقد لا أجرؤ على تحمل تداعيات الانخراط في البيئة الدرامية، والانخراط في الوسط الدراماتيكي التعيس،
كل ما أتمناه جنازة فعلية تليق بمشرد يجول مزابل الغزاة بحثًا عن هوية مزورة باسم الوطن .
صديقي الأب الخمسيني مثلي دعني أحكي لك ولي حكاية نقطع بها مفازات السّمر، والليل، والشتاء الذي لاأظنه سينتهي قريبًا . كنا أطفالا نلهو من البيت إلى المِسْراااب …للجَلّة ..! شبّ فينا ذلك الصغير سرقه الزمن ليجد نفسه شابا وصوته أضحى حادا كبر قليلا فكان الشاب أبًا .. رويدا رويدا ينغمس في انشغالات الحياة يحارب من أجل لقمة عيش أبنائه الذين يكبرون أمام عينيه.. هو منشغل جدا ببنائهم بينما هم يهدمون ركنا منه ..! يبني هذا ويبني هناك دون أن يشعر هو بتقدم سنه ..! ولاهم يشعرون ..! فجأة يبدأ العدد في ذلك البيت بالتناقص وتبدأ الأرواح الصغيرة في ربط حقائب الوداع ..! مابين ولد كبر وقرر الاستقرار بعيدا وبنت تزوجت ولم تعد تأتي إلا في المناسبات. يعم الصمت اللعين ذلك البيت الكبير..! ذلك الصدر الكبير في دفئه يتحول إلى صمت كئيب يذبحه برد قارس. وتنتهي رحلة طفل .. عجوز , وتبدأ رحلة أخرى لجيل آخر.. نأتي ونغادر من جلباب الحياة..! نفيق ..نغفو ..ننام .. نرحل ..!
وتستمر الحياة ياصديقي الطفل / الشاب / الرجل / العجوز
أخذ نور الشمس المتصاعد يبدد رويدا رويدا زرقة فجر الحديقة الخلفية للفندق الريفي العتيق.
وضع النادل قطعة كروسان وكوب شاي على الطاولة التي أمام نزيل الفندق الوحيد الجالس في هذه الساعة المبكرة، صفّ ثلاث وردات صفراء داخل مزهرية الخزف، وقال له بنبرة ودودة: أرجو أن تكون بخير. في الأثناء، كانت رائحة بقايا عطر هاربة تقترب منهما، ارتبك الرجل حين رأى امرأة تسير بخطى متعجلة باتجاههما، ألقت بجسدها على الكرسي المقابل، كاد كوب الشاي أن يسقط عندما اصطدمت قدمها الحافية بالطاولة، احتضنت أطراف عباءتها بأصابع مرتجفة ثم أسندت مرفقيها على حافة الطاولة، وضعت رأسها بين يديها.. من تحت شالها الأسود؛ انسدل شعرها الفضي على جبينها بلا انتظام.
همس في داخله، لعلها أخطأت العنوان!
:مرحبا يبدو أنني لست الوحيد الذي يصحو مبكرا! هل تبحثين عن شخص ما؟ قال لها مبتسما.
لم تجب!!
دفع بقطعة الكروسان أمامها، رشف الشاي ببطء وهو يتأمل وجهها، كانت ملامحها جميلة، لكنها شاحبة، بدت له أنها في الخمسين من عمرها.
أراد استفزاز قلبها، قال ملاطفا:
لا تهتمي يا عزيزتي بتقدم السن، العمر مجرد أرقام، أنا أيضا تجاوزت الخمسين، عفوا، أقصد الستين، لا، لا، ربما أكثر! أوه، يا إلهي، لقد نسيت! اللعنة على الذاكرة، أصبحَت كثيرا ما تخونني!
ملَّ صمتها الغريب، ركز اهتمامه على إزالة بقايا الأعشاب الصغيرة العالقة في ثوبه.
اقترب النادل من المرأة وقال لها بصوت خفيض: لقد وجدته نائما على العشب يا سيدتي. انتابه القلق عند سماع الكلمة، حاول أن ينهي كوب الشاي ويغادر المكان، لكن لم يعد يدري إلى أين يتجه!
تناولت يديه برفق وهي تنظر إلى عينيه، لم يتبين طبيعة نظرتها جيدا، لأنها كانت غائمة!
إلى الإسفلت الكهل، والشارع المسكون بأحذية المتعبين والمتعثرين ، هناك نافذة تفتح ورجل يمسد وجه المساءات ويسرح شعر الليل الطويل هناك صوت ينام قليلا متوسدا القلق والأمنيات … هناك لعثمة وكلمات مجروحة تصطدم بطيوف عابرة ،،وتنكسر أمام ضحكة سافرة وظلال غامضة تنعكس على نافذة ، تلعب أعمدتها بالريح الجائعة ، هناك طفل يحبو، وأحلام تفتح ممراتها لطوابير الانتظار .
نظرت إليّ شاكية باكية، ودمعها ينهمر على خديها كأمطار شهر كانون البارد إلا أنها تشتعل من الغضب -رغم الشحوب الظاهر في عينيها الغائرتين – فالسواد الفاحم حول العيون المكحولة يشبه الحجر الأسود من شدة البكاء . جلست بعيدة عني، مسحت فمها قبل أن تبدأ بقضم أظافرها، وهي تهتز وترتعش من شدة الحزن والتوتر وصوتها يئن، وكأنها تحاول كتم أنفاسها لتهدأ. بدأت الدهشة تفتلني من سلوكها المفاجىء هذا، فأصابعها تكاد لا تهدأ من الدخول والخروج إلى فمها، وكأن قضم الأظافر فطورها الصباحي المعتادة عليه. وقفتُ أمامها وأمسكتُ أناملها، فوقفت وارتمت على صدري، وهي تجهش بالبكاء. نظرت إلى المحارم الورقية البيضاء التي تكومت على الكنبة، وقد اختلط سواد الكحل مع البياض النقي، فضحكت لا شعوريا إلا أنها ابتعدت عني بنفور وغضب وقالت: – هل تسخرين مني؟.. – لم أفهم ولماذا أسخر منكِ ، إنما أضحكتني ألوان الماسكارا المتفحمة على المحارم الورقية، وعلى جفنيك يا بنت. – تنفست وتراخت بعد أن جلست مجددا على الكنبة، وأمسكت بسلسلة أخرجتها من جيب قميصها الكتان، وأجهشت بالبكاء من جديد – ما بكِ يا بنت؟! – ما عاد يقبلني كما كان يفعل كل يوم. أفتقد لدغدغة خدودي، ومداعبة أصابع قدمي ليلا وعند الصباح. نظرت إليها نظرة ثابتة بعد أن توسعت حدقات العيون من الدهشة، لم أتمالك نفسي من رسم معالمها على وجهي، وانفجرت ضاحكة وهي تنظر إلي، وكأنني سأقدم لها حبل النجاة. – أتبكين من أجل هذا في صباح مشرق! ونحن في رحلة استمتاع وراحة ، وعزلة أيضا بعيدا عن الضوضاء، لكن نحن وحدنا في البيت منذ أيام، فكيف سيقبلك كل يوم ؟. ومن هو؟..من يكون؟.هل هو نجم الدين ذاك الرجل صاحب قطيع الأغنام؟. استدارت بسرعة ونظرت من النافذة إلى البستان، وكأنها تبحث عن شىء ما!. بدا على وجهها الخجل رغم احمراره، كما بدأ التورم والانتفاخ على عينيها، لكنها نظرت إلى السلسلة ،ويدها ترجف حتى أحسست كأنها سيغمى عليها، وساد الصمت، كما ازداد استغرابي لسلوكها المفاجى إلا أنني لم أستطع الكلام، وحافظت على الاتزان قدر المستطاع. – اشتريت له هذا السلسلة لأنني في البداية لم أحبه. أما الآن فهو حياتي التي يشاركني فيها ، بل هو توأم روحي، وأعتبره فرحي وكل ما تبقى لي في هذه الحياة ، لكن ماذا أفعل الآن؟.. وقد بدأت تغيراته العاطفية نحوي تنكمش يوما بعد يوم؟.. ظننت أنه مريض; أخذته للطبيب ولم يجد علة به، بل قال لي إنه بصحة ممتازة، لكنه يثير جنوني بأفعاله هذه. حقيقة شعرت بالحزن لحالها، فالحب في الحياة لا بد من تغيرات تطرأ عليه مع مر الزمن، فهو كالموج تارة يعلو وتارة ينخفض، لكن تساءلت بيني وبين نفسي ما الذي يذكرها به في هذا الصباح؟. أيعقل الأشتياق؟. أم الإحساس بفقدانها له؟.. – استمرت بقضم أظافرها، والصمت لا يخلو من أصوات زقزقة العصافير في الخارج، وحفيف أوراق الشجر كأنه همس أو وشوشة رومانسية في أذن الطبيعة الريفية. – أحسست بالتوتر الشديد يتملكني، فوضعت حبة شوكولا مر في فمي، وبدأت أتذوقها بصبر وأناة ، وأنا أنظر إليها والابتسامة لا تفارقني، فربما تساعدها ابتسامتي على البوح أكثر. حملت البونبونبير الكريستال ووضعتها أمامها ، فربما تهدأ لو تناولت قطعة من الشوكولا المر. لكنها عادت للبكاء بشكل هستيري. – أخبريني ماذا أفعل ؟ كيف يمكن أن أعيده كسابق عهده معي؟ – يبدو أنك مهملة له، وأنانية في تصرفاتك معه هل تداعبينه كل يوم كما يفعل؟. ملأتها الدهشة والاستغرب وفتحت فمها، وكأن الكلام وقف في حنجرتها ورفض الخروج. إلا أنها قالت بسرعة
: – هل يعقل يا صديقتي أن أفعل هذا معه كل يوم؟
– نعم، وماذا قي هذا ألا تحبينه؟
– نعم أحبه، هو رفيقي الوحيد في الحياة ومؤنس وحدتي لكن هو لا يفارقني إلا مسه ، أداعبه، أحنّ عليه ، أطعمة، أضعه بين أحضاني دائما، أتنزه معه ألا ينفع كل هذا يا ضحى؟ – في الحقيقة نعم نافع جدا, لكن ربما! هو مغرم ببنت أخرى. فتحت فمها أكثر ،وكأن ما أقوله غير مفهوم، أو يحتاج لترجمة.. أكملت كلامي معها عن الحب والقدرة على التناغم فيه مع الآخر إلا أن الاستغراب لم يفارق معالمها، فسألتها: – من يكون هذا الذي أبكى صديقتي في يوم جميل كهذا.. – إنه توكي يا ضحى لا أدري حقيقة ما الذي أحسست به، إلا أنني مسحت أنحاء الغرفة بنظراتي بحثا عن توكي هذا، لأرميه في الخارج، قبل أن أسمع نباحه المزعج في هذا الصباح الذي لا يُنسى …
حشدٌ غفير تجمهروا مكان الحادث. كنتُ شاهد عيان، بات قلبي مضرجاً بدمائِه. وصل الإسعاف متأخراً ، مات قلبي؛ بل قُتل…! أُقفل المحضر بعد استجوابي في القضية: – هل تشك في أحد؟ – لا. أتممتُ مراسِم العزاء، وارتديتُ جلباباً أسودًا، أسفل خاصرتي خنجر . جلتُ الطرقات بحثاً عن خيط يدلني إليك؛ فرائحة الثأر تنبثق من شراييني. على يميني مقهى عربي، لمحتكِ بالداخل!. تعقبتُ خطواتك، و استدليت مخدرك، بدا العالم وكأنه خلا من الناس. شعرتُ بتناقص أنفاسِك ، تحسستُ خنجري، وجدته ساخناً، أدخلته غمده، وهمتُ وسط الزحام. وفي الصباح جمهور غفير احتشدوا مكان الحادث. سألت أحدهم، فقال: امرأة تقطن الدور الرابع وجدوها مقتولة…!
١-
أقامر الآن بفرصتي الأخيرة في الحياة، و بالوسيلة الوحيدة التي كنت أظن أني أعرفها، الوسيلة الوحيدة والعاجزة والتي لم تعد تفي ” الكتابة ” . وأصبحت أراوح بين الضلال وشبه اليقين ، مفرغا مساحات أبدية وشاسعة تجرفني للتيه الذي جئت منه، والذي حتما إليه سأعود. وكل ما أفعله الآن هو محاولة خدش هذه المفازة بهذه الكتابة، وبما أستطيع من الصمت والصراخ معا ، غير أنه لا يقين سوى اليقين بأنه لا يقين ..لا الموت لا الميلاد لا الكتابة ولا حتى الألم الذي ظل يذكرني على الدوام بكينونة هذا الجسد ثم إنه أنا ؟
٢-
لن أدعي أن أحدا لم يفهمني، وهذا العالم ليس ملزما بذلك ، ثم إنه من أنا لألقي على الكون تهمة ظالمة كهذه؟ وحتى اللسان الذي وهبتني الحياة ظل وحيدا يحاول قول كل شىء ولا يقول شيئا ويخطىء أكثر مما يصيب ، ويقطع أكثر مما يصل ، ويزّور الأمنيات والأسئلة وحتى اللغة التي حاولت امتلاكها , ولقد خانها كثيرا ( اللسان) وخاتلها أكثر، ثم إنه ما من فائض في قواميس الكلام لأغترف منها كيف أشاء، ومتى أشاء وكأن الحياة عرس لن يتبدد ، ولقد خانتني حتما كل أعراس الحياة ..
٣ –
هل لي أن أقول أنني لم أعد أفهمني أنا ؟ نعم وأعترف بذلك ، بقيت أتشكل وأعاود التشكل كل يوم; محاولا تكوين هذا النهج المقنع لي ، ثم أني لم أتفق مع الحياة على هذه المسرحية الهزلية ..وقد كان شرطي أن أكون كائنا بشريا أحمل قدري وأذهب به نحو النهايات غير أن هذا لم يحدث، ولقد خدعت، نعم خُدعت .
٤ –
وكل شىء يغادرني الآن ولم يعد هناك ما أصغي له سوى صوت الروح , الروح التي لم تخذلني حتى الآن ولن تفعل . وأستيقظ كل ليلة وحيدا أحتسي كأس الظلمة وأصغي لصوت الزمن العابر وأسمع من خلاله كل أصوات الحياة . هذا الصوت الذي يسكن الظلمة والذي ينتفي من خلاله الأعلى والأسفل والقادم والراحل , والراحلون يحضرون والأرواح التي لا تعترف بالعدم ولا بتراتب الأزمنة تحضر ، وتتلاشى معاني المؤنث والمذكر ، و تعود كل الأرواح ارواح .
٥ –
ثم نلتقي بهم أولئك الذين اشتاقت أرواحنا لأرواحهم ونلتقي ونأتلف ، ونتقاسم الحب الذي بيننا والغني والفقر الذي لنا ، ونمحو ما نستطيع من الحنين والغياب ثم نأخذ عهدا ألّا نموت ولن نموت .
٦ –
وهم من فعل بنا كل هذا ، أولئك الذين كنا نظن أنهم يشبهوننا والذين من أجلهم قبلنا الحضور اللامشروط لهذا العالم، والإيمان بما لم نؤمن وبالرضى والصمت عن كل غصات الحياة. كنا نظن أنهم رفقتنا وسيمضون معنا ، ومعا كنا سنكسر قوس الوحدة ، ثم نعلن قيامتنا عندما نتحد وندخل جنتنا متى شئنا والتي حتما لن تكون أنهارا من العسل واللبن والملذات .
٧ –
وهم لم يأتوا والعتاب ليس سوى سجود سهو لصلاة ضلت طريقها للسماء ، فهل خذلونا أم أنهم أيضا خذلتهم أقدارهم والطرقات التي تجىء بهم والأقدام التي تستدل علينا؟ ومهما يكن فقد غفرنا، ليس لأننا الأنقياء ولكن لأنه ما من عوض لنا سوى الغفران
٨ –
ولكن لا يقولنّ لي أحد أني كنت وجودا في هذا العالم ،وأني كنت هنا , هذا لم يحدث ، نعم عبرت من هنا ،وعرفت مفردات كالشمس والهواء والتراب والغيم والوعد والمطر وحتى مفردة الحب سمعت بها ، غير أني لم ألتقِ بأي منها ، لا الشمس لا الغيم لا الحب ولا حرية أن أكون أنا ، و أن أزهر كشجرة . نعم عبرت هذا العالم ولكن كسؤال كبير وموجع ودون إجابات ولم أعرف من أنا ومن يقول لي من أنا.؟
٩ –
ولنفترض أني كنت هنا أفلا يحق لي استعادة التجربة التي لم تكن ناجحة ولا سعيدة بأي حال؟ . وسأقبل تكرارها حتى على هيئة عصفور أو شجرة أو حتى كائنا بشريا شريطة أن يكون معي الصفحة الأولى من كتاب الحياة; ولأعرف كيف هي الأبجديه وما من متسع للتعلم من جديد. وعدا ذلك سأحتجّ وأعرف ألّا أحد سيسمعني غير أن الصراخ في وحشة الأبدية هو كل ما أستطيع فعله الآن .
قصة قصيرة للكاتب الكندي مورلي كالاهان
ترجمة نادية عبدالوهاب خوندنة
بنهاية وقت الدوام في الصيدلية خلع ألفريد هيجنز معطفه الأبيض، وارتدى معطف الخروج استعداداً للذهاب إلى المنزل. وبينما كان مالك الصيدلية ذو الشعر الرمادي الخفيف، السيد سام كار، منحنياً خلف ماكينة دفع الحساب، مر بجانبه ألفريد فنظر إليه وقال بلطف: “لحظة من فضلك، أود التحدث إليك قبل ان تذهب”.
إن الطريقة اللطيفة والواثقة التي تحدث بها السيد سام كار جعلت دقات قلب ألفريد تتسارع لدرجة أنه أحس بصعوبة في التنفس، وأخذ يقفل أزرار معطفه بطريقة عصبية وهو متأكد من أن وجهه كان يبدو شاحباً فلقد اعتاد السيد سام على تحيته بطريقة جافة ودون أن يرفع رأسه،ففي خلال الستة شهور التي قضاها ألفريد في العمل هنا لم يسمع صاحب العمل يتحدث معه قط بمثل هذه اللطف.
“ما الأمر يا سيد كار”
“يحسن بك أن تخرج بعض الأشياء من جيبك وتضعها هنا قبل أن تغادر المكان.”
“أي أشياء؟ عم تتحدث”؟
“يوجد في جيبك علبة تجميل، أحمر شفاه،وأنبوبان من معجون الأسنان يا ألفريد.”
فأجابه الفتى بغضب وقد أحمرّ وجهه “ماذا تقصد؟ هل تعتقد أنني مجنون؟”
لقد كنت على ثقة بأنه كان يبدو غاضباً وناقماً،ولكن السيد سام كار الذي كان واقفاً بجوار الباب، وعيناه الزرقاوان تلمعان خلف نظارتيه،وشفتاه تتحركان تحت شاربه الرمادي، هزّ رأسه عدة مرات الأمر الذي أخاف ألفريد كثيراً ،وجعله في حيرة لا يدري ماذا يقول.
رفع ألفريد يده، وأدخلها ببطء في جيبه، ودون أن ينظر في عيني السيد سام كار أخرج علبة تجميل زرقاء اللون وأنبوبين من معجون الأسنان ، وأحمر شفاه ،ووضعها جميعها على المنضدة.
“سرقة صغيرة؟” سأله سام، “هل تتكرم وتخبرني كم من الوقت مرّ على هذه الحال؟”
“إنها المرة الأولى التي آخذ فيها شيئاً”
أجابه السيد سام كار وهو متجه صوب ماكينة دفع الحساب ليقف خلفها: “هل تعتقد أن بإمكانك أن تكذب علي؟ أي ساذج تظنني حتى لا أعرف ما يجري في متجري؟ لقد كنت تقوم بهذه السرقات الصغيرة مراراً وتكراراً.
منذ أن ترك ألفريد المدرسة وهو يواجه المشاكل كلما ألتحق بعمل ما، وكم كان والداه سيسعدان إن تمكن من الاستمرار في أي وظيفة، وقد كان مايزال يقيم في منزل العائلة مع والدته ووالده الذي يعمل عامل طباعة، أما أخواه اللذان يكبرانه فكانا متزوجين كما قد تزوجت أخته في السنة الماضية.
كان السيد سام يبتسم وهو يربت بلطف على خده بأطراف أصابعه، بينما أحس ألفريد بالرعب يزداد في داخله وهو الأمر المعهود الذي كان دائماً يواجهه كلما مر بنفس المشكلة.
“لقد أحببتك ووثقت فيك، ولكن أنظر الآن إلي ما يجب عليّ فعله.”
نظر ألفريد بعينيه الزرقاوين الممتلئتين بالخوف والترقب إلى سام وهو ينقر بأصابعه على المنضدة، فقال له سام بقلق: “الأمر جلي، ولكني لا أرغب في استدعاء الشرطة.
“أنك غبي. يجدر بي استدعاء أبيك وإخباره بأنك غبي وتستحق أن تحبس”.
“أبي غير موجود بالمنزل فعمله في الطباعة يتطلب منه دواماً مسائياً.”
“ومن يوجد بالبيت الآن؟”
“أمي.”
فقال السيد سام: “لنرى ما ستقول.” ثم أتجه نحو الهاتف وطلب الرقم.
لم يكن ألفريد خجلاً، بل كان يحس بخوفٍ عميقٍيتصاعد في داخله، وفجأة قال بكبرياء رجل قوي: “على رسلك، أنك لست بحاجة إلى تدخل أي شخص آخر، وبالتالي لست بحاجة إلى إخبار والدتي بالأمر”.
لقد أراد أن يبدو في خيلاء رجل يمكنه الاهتمامبشؤونه الخاصة بنفسه، ولكن في ذات الوقت، كان تتنازعه الرغبة الطفولية القديمة نفسها بأن أحداً من عائلته سيأتي لمساعدته.
“إن ابنك يعمل لديّ، نعم سيدتي، وهو الآن في ورطة ويحتاج حضورك سريعاً.”
توجه السيد كار نحو باب الصيدلية بعد ان أقفل الخط وظل واقفاً هناك ينظر إلى الشارع ويراقب حركة المارة في تلك الساعة المتأخرة من إحدى ليالي الصيف ولم يقل شيئاً سوى: “سأنتظر مرور شرطي من هنا”.
لقد كان ألفريد على ثقة أن والدته ستأتي بسرعة وتقتحم المكان بينما عيناها تبدوان متوهجتين،بل ربما ستدخل باكية ولن تصغي إليه إن حاول ان يكلمها لتشعره بازدرائها له، وبالرغم من كل هذه المخاوف كان ألفريد يتمنى وصول والدته قبل أن يمر شرطي من أمام باب الصيدلية.
لم يتحدثا خلال فترة انتظارهما التي بدت طويلة جداً، وأخيراً سمعا طرقاً على الباب ففتحه السيد كار وعلامات الصرامة والشدة تكسو وجهه وقال بكل وضوح: “تفضلي يا سيدة هيجنز”.
كانت السيدة هيجنز كبيرة الحجم وسمينة،تلوح على وجهها الودود ابتسامة ولكن هيئتها توحي بأنها كانت تتهيأ للذهاب إلى النوم عندما هاتفها السيد كار، فشعرها لم يكن مرتباً تحت قبعتها، وكانت يدها تحكم إمساك معطفها حتى لا يبدو ثوبها من تحته.
لم تتمكن السيدة من رؤية ابنها الذي كان يقف في منطقة مظلمة حيث كانت معظم المصابيح في المكان مطفأة ،وحالماً رأته لم تبد على الصورة التي توقعها ألفريد إطلاقاً بل على العكس، كانت باسمة وهادئة لم يطرف لها رمش، يبدو عليها الوقار مما صرف انتباههما عن هيئتها التي تدل أنها قد جاءت على عجل.
مدت يدها لتصافح السيد كار وقالت بأدب جم: “السيدة هيجنز، والدة الفريد”.
لقد أحرج هدوء السيدة وبساطتها السيد كار الذي خانته الكلمات فلم ينبس ببنت شفة فسألته السيدة: “هل يواجه الفريد مشكلة؟”
“نعم. منذ مدة وهو يسرق من المحل بعض الأشياء الصغيرة التي يسهل بيعها بعد ذلك مثل أدوات التجميل ومعاجين الأسنان وقد ضبطته هذا المساء بالجرم المشهود”.
في أثناء استماعها لاتهامات السيد كار كانت السيدة هيجنز تنظر إلى ابنها و تهز رأسها بحزنٍ، ثم سألته بجدية بالغة: “هل الأمر كذلك يا ألفريد؟”
“نعم.”
” و لم كنت تقوم بذلك؟”
“لأتمكن من الإنفاق على بعض الأمور”
“وما هي تلك الأمور؟”
“الخروج مع الأصدقاء.”
لمست السيدة هيجنز ذراع السيد سام كار، وقالت له بطريقة لطيفة تنم عن تفهمها لموقفه وكأنها تخشى أن تزعجه: “ربما يمكنك أن تستمع إليّقبل أن تتخذ أي إجراء”.
إن صدقها مع ذاتها جعلها تشعر بالخجل،وإحساسها بالخزي جعلها تهتز، وتنظر بعيداً،ولكن سرعان ما عادت إليها ابتسامتها ووقارهافسألته باحترام وسعة صدر: “ماذا نويت أن تفعل يا سيد كار؟”.
“كل ما في الأمر أنني فكرت في إحضار شرطي”
“نعم. إنك على حق وإنني أدرك أنه لا يحق لي منعك من ذلك لأن المتهم هو ابني، ولكنني أعتقد أن النصيحة المخلصة في بعض الأحيان هي كل ما يحتاجه الفتى في فترة معينة من حياته”.
لم يستطع ألفريد أن يصدق عينيه وهو يرى والدته تحافظ على رباطة جأشها في مثل هذا الموقف، لأنه لو كانا في البيت وجاء من يخبر أمه أنه سيلقي القبض على ابنها لغضبت بشدة وصرخت في وجه ذلك الشخص.. وها هي الآن تقف وعلى محياها ابتسامة رقيقة توحي بالاعتذار: “كنت أتساءل إن كان يمكنك أن تدعه يأتي معي إلى البيت؟ يبدو فتى كبيراً، أليس كذلك؟ ولكن بعض الفتيان يحتاجون وقتاً أطول من أقرانهم ليصبحوا على درجة كافية من التعقل” واتجهت نظرات السيدة هيجنز والسيد كار صوب ألفريد الذي غادر مكانه بعيداً عنهما، ولوهلة توهج وجهه النحيل ووجنتاه اللتان غطاهما بعض حب الشباب.
عندما ابتعد ألفريد لشعوره بالحرج والضيق، كان يدرك أن السيد كار قد عرف أن أمه سيدة رقيقة حقاً، ولابد أن هذا الأمر قد جعله يشعر بالحيرة كما لو كان قد توقع منها أن تأتي باكية متوسلة، وبالعكس إن جَلَدها وصبرها أشعراه بالخجل. وبينما لم يتردد في المكان سوى صوت والدته الناعم ذي اللهجة الواثقة، كان السيد كار يهز رأسه مؤمِنّاً.. وبدلاً من أن يبدو عليها أي قلق أو ارتباك، كانت السيدة هيجنز تملأ المكان الخافت الإضاءة بثباتها وبساطتها وتفاؤلها.
وجاءها رد السيد كار حينما قال: “إنني بالطبع لا أريد أن أكون فظاً، وسأخبرك بما أنوي فعله: إنني فقط سأفصله من عمله وأدع الأمر يمر بسلام. ما رأيك بهذا الحل؟” ثم نهض وصافحها وأومأ لها برأسه في احترام بالغ.
“لن أنسى لك هذا الجميل أبداً ما حييت”.
أجابته بنبرة صدقٍ وعرفانٍ بالجميل، مما جعله يحس هو أيضاً بالارتياح والسرور وقال لها: “يؤسفني أن نلتقي في مثل هذه الظروف، كل ما في الأمر أنني أردت ان أفعل ما اعتقدت أنه الصواب، وعموماً قد سررت بمعرفتك”.
“تصبح على خير يا سيدي”.
“تصبحين على خير يا سيدة هيجنز وأكرر لك أسفي”.
خرجت السيدة وابنها إلى الشارع، كانت الأم تمشي بخطوات واسعة وثابتة وهي تنظر إلى الإمام، بينما كان وجهها الجاد يعكس ما كانت تعاني من قلق. كان ألفريد خائفاً من أن يتحدث إليها، ولكنه في الواقع كان متوجساً من الصمت الذي ساد بينهما، فما كان أمامه سوى أن ينظر إلى الأمام مثلها وشعور بالارتياح يغمره، ولكنه لبرهة كان يرى أن المضي في السير في صمت مطبق كان يشعره وبشدة بمدى القوة والجدية اللتين تعتملان في داخلها.. ترى بماذا تفكر وهي تسير هكذا متجهمة محدقة أمامها؟ هل نسيت أنه يمشي إلى جانبها؟ لكن دوي قطار الجادة السادسة كسر حاجز الصمت بينهما، فقال لها وهما يعبران من أسفل الجسر، بطريقته العاصفة كما هي عادته دائماً : “الحمد لله أن الموضوع قد انتهى بسلام، وأؤكد لك أنني لن أتورط بمثل هذا الموقف مرة أخرى”.
فأجابته بمرارة: “اهدأ ولا تكلمني لقد اخجلتني مراراً وتكراراً”.
“إنني فقط أخبرك بأنها ستكون المرة الأخيرة”.
فأسكتته على الفور بقولها: “احترم نفسك وأصمت” واستمرا في السير والنظر إلى الأمام.
عندما وصلا إلى المنزل وخلعت السيدة معطفها فوجئ ألفريد أن أمه لم تكمل ارتداء ملابسها عندما خرجت على عجل، وقد أخافته مجدداً عندما قالت له – بدون أن تنظر إليه: “إنك مصدر نحس، سامحك الله فأنت تسبب المشكلة تلو الأخرى. لماذا تقف هكذا بغباء دون حراك؟ لم لا تدخل إلي غرفتك لتنام؟”
وعندما تحرك باتجاه غرفته قالت له: “سأصنع لنفسي كوباً من الشاي، عليك ألاَّ تذكر شيئاً مما حدث لوالدك”.
كان صوت تحركاتها في المطبخ يصله في غرفته وهو يتهيأ للنوم.. ملأت غلاية الماء ووضعتها على الموقد.. وها هي تحرك كرسياً.. كان يسمع فقط، لم يخالجه أي شعور بالخجل بل كان يتعجب من قوة شخصيتها واتزانها وهما صفتان يقدرهما كثيراً في والدته.
لا يزال منظر السيد سام كار ماثلاً أمام عينيه وهو يومئ برأسه مشجعاً لها.. وما يزال صدى كلماتها يرن في أذنيه وهي تتحدث بهدوء ووقار.. جلس على سريره والفخر بقوتها يملأه وحدّث نفسه قائلاً: “لابد أن أخبرها أنها كانت رائعة في إظهار كبريائها”.
نهض ألفريد من سريره وتوجه نحو المطبخ وعندما وصل إلى الباب رأى أمه تصب لنفسها كوباً من الشاي.. فظل واقفاً يراقبها من مكانه.. فرأى علامات خوف وانزعاج تكسو وجهها الذي بدا مختلفاً تماماً عما كان عليه من الثقة والصلابة عندما كانا في الصيدلية.. وقد كانت يدها ترتجف وهي تسكب الماء المغلي في الكوب فتطاير رذاذ الماء على الموقد ثم جلست على كرسي وأسندت ظهرها إلى الخلف.. تنهدت ورفعت الكوب إلى شفتيها اللتين كانتا تتلمسان طريقيهما إلى الكوب.. ارتشفت الشاي الساخن بلهفة ورفعت قامتها بارتياح على الرغم من أن يدها الممسكة بالكوب كانت ما تزال ترجف.. كانت تبدو وكأنها شاخت فجأة.
أدرك ألفريد أن هذه هي حال أمه في كل مرة يتعرض فيها لمشكلة ولابد أن هذه الرجفة كانت تعتمل في داخلها وهي تهب مسرعة لمساعدته.. وأخيراً فهم لماذا جلست وحيدة في المطبخ في الليلة التي كانت فيها أخته الصغرى تكرر على وتيرة واحدة أنها ستتزوج..
الآن فقط أحس بما كانت تفكر فيه وهما في طريق العودة إلى المنزل.. ظل ينظر إليها بصمت، وفي تلك اللحظة أحس أنه غادر ملاعب الصبا وأنضم إلى عالم الرجولة..
أواه يا أمي الحبيبة إن رجفة يدك الحنون قد اختزلت سنوات عمرك كلها.. وكأنني أسبر غور سنوات عمرك كلها بشفافية ولأول مرة.
ALL THE YEARS OF HER LIFE
BY MORLEY CALLAGHAN
They were closing the drugstore, and Alfred Higgins, who had just taken off his white jacket, was putting on his coat and getting ready to go home. The little gray-haired man, Sam Carr, who owned the drugstore, was bending down behind the cash register, and when Alfred Higgins passed him, he looked up and said softly, “Just a moment, Alfred. One moment before you go.”
The soft, confident, quiet way in which Sam Carr spoke made Alfred start to button his coat nervously. He felt sure his face was white. Sam Carr usually said, “Good night,” brusquely, without looking up. In the six months he had been working in the drugstore Alfred had never heard his employer speak softly like that. His heart began to beat so loud it was hard for him to get his breath. “What is it, Mr. Carr?” he asked.
“Maybe you’d be good enough to take a few things out of your pocket and leave them here before you go,” Sam Carr said.
“What things? What are you talking about?”
“You’ve got a compact and a lipstick and at least two tubes of toothpaste in your pockets, Alfred.”
“What do you mean? Do you think I’m crazy?” Alfred blustered. His face got red and he knew he looked fierce with indignation. But Sam Carr, standing by the door with his blue eyes shining bright behind his glasses and his lips moving underneath his gray mustache, only nodded his head a few times, and then Alfred grew very frightened and he didn’t know what to say.
Slowly he raised his hand and dipped it into his pocket, and with his eyes never meeting Sam Carr’s eyes, he took out a blue compact and two tubes of toothpaste and a lipstick, and he laid them one by one on the counter.
“Petty thieving, eh, Alfred?” Sam Carr said. “And maybe you’d be good enough to tell me how long this has been going on.”
“This is the first time I ever took anything.”
“So now you think you’ll tell me a lie, eh? What kind of a sap do I look like, huh? I don’t know what goes on in my own store, eh? I tell you you’ve been doing this pretty steady,” Sam Carr said as he went over and stood behind the cash register.
Ever since Alfred had left school he had been getting into trouble wherever he worked. He lived at home with his mother and his father, who was a printer. His two older brothers were married and his sister had got married last year, and it would have been all right for his parents now if Alfred had only been able to keep a job.
While Sam Carr smiled and stroked the side of his face very delicately with the tips of his fingers, Alfred began to feel that familiar terror growing in him that had been in him every time he had got into such trouble.
“I liked you,” Sam Carr was saying. “I liked you and would have trusted you, and now look what I got to do.” While Alfred watched with his alert, frightened blue eyes, Sam Carr drummed with his fingers on the counter. “I don’t like to call a cop in point-blank,” he was saying as he looked very worried. “You’re a fool, and maybe I should call your father and tell him you’re a fool. Maybe I should let them know I’m going to have you locked up.”
“My father’s not at home. He’s a printer. He works nights,” Alfred said. “Who’s at home?”
“My mother, I guess.”
“Then we’ll see what she says.” Sam Carr went to the phone and dialled the number. Alfred was not so much ashamed, but there was that deep fright growing in him, and he blurted out arrogantly, like a strong, full- grown man, “Just a minute. You don’t need to draw anybody else in. You don’t need to tell her.”
He wanted to sound like a swaggering, big guy who could look after himself, yet the old, childish hope was in him, the longing that someone at home would come and help him.
“Yeah, that’s right, he’s in trouble,” Mr. Carr was saying. “Yeah, your boy works for me. You’d better come down in a hurry.” And when he was finished Mr. Carr went over to the door and looked out at the street and watched the people passing in the late summer night. “I’ll keep my eye out for a cop” was all he said.
Alfred knew how his mother would come rushing in; she would rush in with her eyes blazing, or maybe she would be crying, and she would push him away when he tried to talk to her, and make him feel her dreadful contempt; yet he longed that she might come before Mr. Carr saw the cop on the beat passing the door.
While they waited—and it seemed a long time—they did not speak, and when at last they heard someone tapping on the closed door, Mr. Carr, turning the latch, said crisply, “Come in, Mrs. Higgins.” He looked hard-faced and stern.
Mrs. Higgins must have been going to bed when he telephoned, for her hair was tucked in loosely under her hat, and her hand at her throat held her light coat tight across her chest so her dress would not show. She came in, large and plump, with a little smile on her friendly face.
Most of the store lights had been turned out and at first she did not see Alfred, who was standing in the shadow at the end of the counter. Yet as soon as she saw him she did not look as Alfred thought she would look: she smiled, her blue eyes never wavered, and with a calmness and dignity that made them forget that her clothes seemed to have been thrown on her, she put out her hand to Mr. Carr and said politely, “I’m Mrs. Higgins. I’m Alfred’s mother.”
Mr. Carr was a bit embarrassed by her lack of terror and her simplicity, and he hardly knew what to say to her, so she asked, “Is Alfred in trouble?”
“He is. He’s been taking things from the store. I caught him red-handed. Little things like compacts and toothpaste and lipsticks. Stuff he can sell easily,” the proprietor said.
As she listened Mrs. Higgins looked at Alfred sometimes and nodded her head sadly, and when Sam Carr had finished she said gravely, “Is it so, Alfred?”
“Yes.”
“Why have you been doing it?”
“I been spending money, I guess.”
“On what?”
“Going around with the guys, I guess,” Alfred said.
Mrs. Higgins put out her hand and touched Sam Carr’s arm with an understanding gentleness, and speaking as though afraid of disturbing him, she said, “If you would only listen to me before doing anything.”
Her simple earnestness made her shy; her humility made her falter and look away, but in a moment she was smiling gravely again, and she said with a kind of patient dignity, “What did you intend to do, Mr. Carr?”
“I was going to get a cop. That’s what I ought to do.”
“Yes, I suppose so. It’s not for me to say, because he’s my son. Yet I sometimes think a little good advice is the best thing for a boy when he’s at a certain period in his life,” she said.
Alfred couldn’t understand his mother’s quiet composure, for if they had been at home and someone had suggested that he was going to be arrested, he knew she would be in a rage and would cry out against him. Yet now she was standing there with that gentle, pleading smile on her face saying, “I wonder if you don’t think it would be better just to let him come home with me. He looks a big fellow, doesn’t he? It takes some of them a long time to get any sense,” and they both stared at Alfred, who shifted away with a bit of light shining for a moment on his thin face and the tiny pimples over his cheekbone.
But even while he was turning away uneasily Alfred was realizing that Mr. Carr had become aware that his mother was really a fine woman; he knew that Sam Carr was puzzled by his mother, as if he had expected her to come in and plead with him tearfully, and instead he was being made to feel a bit ashamed by her vast tolerance. While there was only the sound of the mother’s soft, assured voice in the store, Mr. Carr began to nod his head encouragingly at her. Without being alarmed, while being just large and still and simple and hopeful, she was becoming dominant there in the dimly lit store.
“Of course, I don’t want to be harsh,” Mr. Carr was saying. “I’ll tell you what I’ll do. I’ll just fire him and let it go at that. How’s that?” and he got up and shook hands with Mrs. Higgins, bowing low to her in deep respect.
There was such warmth and gratitude in the way she said, “I’ll never forget your kindness,” that Mr. Carr began to feel warm and genial himself.
“Sorry we had to meet this way,” he said. “But I’m glad I got in touch with you. Just wanted to do the right thing, that’s all,” he said.
“It’s better to meet like this than never, isn’t it?” she said. Suddenly they clasped hands as if they liked each other, as if they had known each other a long time. “Good night, sir,” she said.
“Good night, Mrs. Higgins. I’m truly sorry,” he said.
The mother and son walked along the street together, and the mother was taking a long, firm stride as she looked ahead with her stern face full of worry. Alfred was afraid to speak to her, he was afraid of the silence that was between them, so he only looked ahead too, for the excitement and relief were still pretty strong in him; but in a little while, going along like that in silence made him terribly aware of the strength and the sternness in her; he began to wonder what she was thinking of as she stared ahead so grimly; she seemed to have forgotten that he walked beside her; so when they were passing under the Sixth Avenue elevated and the rumble of the train seemed to break the silence, he said in his old, blustering way, “Thank God it turned out like that. I certainly won’t get in a jam like that again.”
“Be quiet. Don’t speak to me. You’ve disgraced me again and again,” she said bitterly.
“That’s the last time. That’s all I’m saying.”
“Have the decency to be quiet,” she snapped. They kept on their way, looking straight ahead.
When they were at home and his mother took off her coat, Alfred saw that she was really only half- dressed, and she made him feel afraid again when she said, without even looking at him, “You’re a bad lot. God forgive you. It’s one thing after another and always has been. Why do you stand there stupidly? Go to bed, why don’t you?” When he was going, she said, “I’m going to make myself a cup of tea. Mind, now, not a word about tonight to your father.”
While Alfred was undressing in his bedroom, he heard his mother moving around the kitchen. She filled the kettle and put it on the stove. She moved a chair. And as he listened there was no shame in him, just wonder and a kind of admiration of her strength and repose. He could still see Sam Carr nodding his head encouragingly to her; he could hear her talking simply and earnestly, and as he sat on his bed he felt a pride in her strength. “She certainly was smooth,” he thought. “Gee, I’d like to tell her she sounded swell.”
And at last he got up and went along to the kitchen, and when he was at the door he saw his mother pouring herself a cup of tea. He watched and he didn’t move. Her face, as she sat there, was a frightened, broken face utterly unlike the face of the woman who had been so assured a little while ago in the drugstore.
When she reached out and lifted the kettle to pour hot water in her cup, her hand trembled and the water splashed on the stove. Leaning back in the chair, she sighed and lifted the cup to her lips, and her lips were groping loosely as if they would never reach the cup. She swallowed the hot tea eagerly, and then she straightened up in relief, though her hand holding the cup still trembled. She looked very old.
It seemed to Alfred that this was the way it had been every time he had been in trouble before, that this trembling had really been in her as she hurried out half-dressed to the drugstore. He understood why she had sat alone in the kitchen the night his young sister had kept repeating doggedly that she was getting married.
Now he felt all that his mother had been thinking of as they walked along the street together a little while ago. He watched his mother, and he never spoke, but at that moment his youth seemed to be over; he knew all the years of her life by the way her hand trembled as she raised the cup to her lips.
It seemed to him that this was the first time he had ever looked upon his mother.
3
سرت وأمي والجوعُ اطفال جارتنا يتناتشون اللحم َالمقدد، رائحة الخبز الساخن في المطعم المجاور تستفزُني ؛ نظرت أمي إلى وجهي الملتهب ؛وضعت فوق راسي حملاًثقيلا ًكي اتناسى نكزتني في ظهري كبهيم . وقالت بلهجة حازمة :سر من هنا. أطفال أثرياء يتراشقون بالمثلجات، ريثما تساوم أمهاتهم أمي على ساعة عمل إضافية؛ ألقيت حملي الثقيل أرضا ;ظنت أمي أنني التمس الراحة; منحتني ابتسامةحزينة ،غافلتها وهرعت للمخبزالمجاور ،سرقتُ رغيفا وفطيرتين. ؛ جلدني المارة ، ورشقني الاطفال بالحجارة ‘ ووصموني بسارق الأرغفة ، وطردت النساء الموسرات أمي.
القرى تستعد للقادمين من الليل، تركوا الليل حتى يستوي ويمضي ويزول سواده ، انتظروا النور حتى يشع، أناخوا ركابهم مع الشروق، فاحت روائح القرى، انبعثتْ الطيبات من جنبات الوادي، العطر القادم من باطن الأرض أرسل شذاه كي يكون النهار في أوج روعته، تسابقت القرى في إبراز ريحها، عطرُ البراري الذي أشرق مع نور الصباح عبَّرَ عن حبه للقادمين ;فمنحهم أريجًا يعطر تعبهم ووعثاء سفرهم، والعصافير التي صمتتْ في الليل قدمتْ لتنشدَ للقادمين تحايا الترحيب وفي مناقيرها خصلات من نباتات الأرض، والنسيمُ الهاربُ من وحشةِ الظلمةِ تسللَ إلى الفرحين بالصباح كي تسكن البهجة مع الفرح في قاع العيون، حضرت مع القادمين الجدد فتاةٌ فاتنةٌ تحب الحياة، عمرها كعمر الظلال عند الإشراق، بدت رائعة مثل الأغصان التي تتمايل مع نسيم الصباح، جلستْ تحت ظل شجرة كبيرة عليها عصافير ملونة، كتبتْ على التراب البارد فرحتها، سطرتْ ما رأته في أحلامها الجميلة، أعجب بها أحد المستقبلين -ولايزال للظلام والأحلام بقايا في وجنتيها- تمنى أن تسكن في روابي القرية، وأن يبني لها بيتًا يشبه بناء العصافير لأعشاشها، هزّتْ رأسها طربًا وكأنها تريد من الصباح أن يطولَ أكثر لتنسى رحلةَ السفر، طال وقتُ الصباح في فصل الربيع، امتد الظلال أكثر، ارتفع صوت العصافير بعد أن شبعتْ من رؤوس الحقول القريبة، ولّى الصباح بعد رحلة السفر، غادروا كلهم وبقيتْ تنتظر الليل لتراه في مكان آخر، جاء الليل مختلفًا، سكنتْ معه مثل عصفورين جميلين، انتظرتْ حتى يأتي صباح آخر لتستقبل القادمين للتهنئة، حضروا وقتَ الإشراق ومعهم أنفاس الصباح القادمة من وادي الحقول، احتفلوا بها وبالصباح، لم يغادوا مع الغروب، بدت القريةُ في أجمل حللها، سكنوا معها وجمعوا الليلَ والنهارَ في رحلةِ السفر، بنوا على ربى القريةِ أحلامهم.
في كل صباح يضع في طريقها ظرفاً يحوي على رسالة دون أسماء، لا اسم المرسل، ولا المرسل إليه، ويقف بعيداً يراقبها وهي تأخذه.
رسالة تنضح بالحب والجمال والهمسات الرقيقة تقرأها، وتريها لزميلاتها اللواتي يتخيلن جميعاً أنها لهن من فارس أحلامهن.
وفي كل مساء تدور في عقله معارك ضاريات بين تحطيم حاجز الخوف، وكتابة اسمه، واسمها في الرسالة لتعرفه; لتعرف أنها المقصودة دون سواها ،ولكن تهزمه جيوش الخوف فيتوارى خلف ستائر الصمت ويكتب الرسالة دون أسماء
تمر الأيام ورسائله بدون أسماء متداولة بين البنات .
وذات مساء وفي خضم معاركه الليلية مع خوفه يصله خبر خطبتها لأحد شباب القرية.
دارت به الدنيا وقرر أخيراً الانتصار على خوفه وكتابة اسميهما في الرسالة
وفي الصباح وضع الرسالة في مكانها ووقف في مكانه المعتاد مراقباً، ولكنها هذه المرة مرت ولم تلتفت للرسالة، ولم تأخذها، ونظرت نحو مكانه مطولاً وكأنها تقول له:
أعرف أنك هنا، وأعرف أنه أنت من البداية ولكن الحب لا يعترف بالجبناء.
خلقت من عجوة الهدوء وزبرجد الصمت والتأمل ، ركني الخافت يبتسم حين يعانق اخضرار الأمنيات ،حينما تدغدغ الشمس وجه الصباح أو اطلالة قمر يعانق السماء صديقتي الطبيعة ، المطر والعطر والضوء الخافت أكثر الزائرين لروحي ، نحتسي كوب قهوتي فأشعر أني ثرية كنهر ماديرا ؛ لم أكن أدرك أنني احتاج الكلام حتى موت الكلام .. كان يجب أن اسأل ؛ لماذا تأخرت ياحبيبي ؟
لماذا تتأخر دائماً ؟
ماذا تأكل اليوم .. ؟
ونما الكلام والصراخ والنقاش … قدم الطفل الأول انتزع نفسي من حضن الصمت ينصت لأغنياتي ثم يناغي في شهره الرابع ، يصرخ عندما لاأتجاوب معه ، صديقي الصمت يختبيء في خزانة الحنين كبر طفلي ؛ دخل المدرسة ..
الأسئلة تتكاثر لماذا تأخرت يا بابا ؟
هلا ذاكرت ؟
ماذا قال لك الأستاذ ؟
من أصدقاؤك ؟
يزداد عدد الكلمات يوماً بعد يوم يرتفع الصوت عالياً والاختلاف كثيرا والاتفاق قليلاً !
في العمل مشاكل غياب / تأخر / اهمال / خصومات ، ثرثرة وإسئلة وصراخ وشكوى وغيبة أحيانا جيراننا عامل النظافة الحراس التلفاز الموبايل الصمت يرحل،يبحث عن فتاة مازالت تحلم بغدٍ ناعم قليل الكلام .