مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
أُقْفِلت الستارة على استهجان الجمهور . وبّخني المخرج بأني لستُ كوميديا كعادتي…!
خرجتُ من الباب الخلفي ممتلئا بالجروح.
أقفلتُ هاتفي أملاً في خنق الضجيج.. أجرة البيت، حساب البقّال، تكاليف فرح ابني البِكْر…!
تحسستُ جيب بنطالي الفارغ، عدا بضع وريقات…!
راودتني فكرة زيارة أمي،
قفزت إلى الطرف الثاني من الشارع.
ارتميتُ في حجرها.. هي تمسد شعري وأنا أفضفض لها…!
تفاءلتُ كثيرًا وموظفُ الصحةِ يعطيني الرقم ١٥، دخلتُ منهكًا أتوكأُ على الهواءِ بلا عكاز، حاولتُ أن أُوَفِّقَ بين حالةِ اللاتوازن عندي وهذا الرقم فلم أستطع، الرقم ١٥ عندي يعني لي أن القمرَ في قمةِ إطلالتِه والسماءُ من فوقِه تكادُ تنطقُ بالنور، أقلِّبُ البطاقةَ التي مُلئتْ باللونِ الأحمرِ وكُتبَ عليها ١٥، قلتُ هذا لونُ وَجْنتيْ فتاةٍ في أولِ شبابها وأنا في هذا العمر ، ما أروعَه من حظٍّ حضرَ في حالةِ وجع! لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على زمنِ الانتظار، نادوني بصوتٍ يشبهُ ملمسَ العافية، تنفستُ الصعداءَ فأنا لا أطيقُ الانتظار، جلستُ في غرفةٍ بيضاءَ بارتياح، منظرُ قياسِ الضغطِ يثيرُ الرعبَ للأصحاءِ فكيف بالذي جاءَ يترنحُ كريشةٍ يلعبُ بها الهواء، أعلنتِ الممرضةُ النتيجةَ بفرحٍ وكأنها تزفُّ لي بشرى النجاح، قالت ١٠٠/١٠٠، كنتُ في غايةِ السعادة، جلستُ لأخذِ قياسِ الطولِ والوزن، قلتُ لها وزني أعرفُه ولستُ متأكدًا من طولي؛ على الرغمِ من أنَّ العكسَ هو الصحيح، قالت لي : وزنك يتناسبُ تمامًا مع طولك، دعتْني للانتظارِ للدخولِ على الطبيبة، خطوتُ خطواتٍ إلى الخلف، نادوني للتوجهِ للعيادة، فتحتُ البابَ فاستقبلتْني لوحةٌ مكتوبٌ عليها اسمُ الطبيبة، ابتسمتُ لحظِّي في يومِ وجَعي، اسمُها يحملُ البِشرَ والطمأنينةَ قبلَ صرفِ الدواء ، قلتُ لها: إنَّ حظِّي اليومَ مثلُ ليلةٍ قمرية، حظِّي اليومَ ينطقُ بالنور، أكادُ أسلبُ كلَّ الصحةِ من جنَباتِ هذا المكان، صرفتْ لي العلاجَ بعد الشرح، تبدَّلَ صوتي المبحوحُ وتغيَّرَ للأحسن، ارتفعتْ درجةُ الرجاءِ عندي وأنا أرفعُ يديَّ شكرًا لمن ينزلُ الشفاءَ ، غادرتُ المكانَ وأنا أحملُ البطاقةَ بلونها الأحمرِ القاني، تحركتُ بخفةٍ وأنا أخطو بقدميَّ وأتأملُ وزني وطولي وهما في القمة، لوَّحتُ لمَن في الاستقبالِ بسلامِ الوداع، صاحوا عليَّ وهم يبتسمون: لقد نسيتَ الرقم ( ١٥ ) في جيبك، هناك مريضٌ آخرُ قد يحتاجه في زمنٍ لاحق!
صاحتْ فَزِعةً وهي تسرحُ شعرَها، اعتادتْ أن أكونَ قريبًا منها وهي تصففُ شعرَها لأرى روعةَ سوادِه، هذه المرةُ رأتْ خيطًا أبيضَ يتدلى مع خصلاتِ شعرِها، اقتربتُ منها أكثرَ لأمنحها الأمان، قلتُ لها هذا انعكاسُ الشمسِ على خصلاتِ شعرك، قالت لا، بل هذه شعرةٌ بيضاءُ تتسللُ بين السواد ، لقد كبرتُ ياعمري، عزلتِ الشعرةَ البيضاءَ لأراها أكثر، سألتُها عن التاريخ، لم تجبني، نظرتُ في الساعةِ فإذا العامُ الجديدُ مطبوعٌ بالرقم ١،قلتُ لها ألف ألف مبارك يا رفيقةَ العمر، هذا عامٌ جديدٌ حلَّ علينا، أكملي تصفيفَ شعركِ ولا تلتفتي للقنديلِ الأبيض، قالت : أي قنديل؟ هل تهزأ بي وقد خطَّ الشيبُ أولى خطواتِه في رأسي، أمسكتُ بالمشطِ لأسرحَ لهاشعرَها وأرددَ على مسمعِها أنشودةَ السلامِ للعام الجديد، كررتُ عليها بأن لونَ الشعرةِ الجديدِ يشبه القنديل، سأراكِ في الليلِ وقد ازددتِ عامًا على أعوامك، هذه الخصلةُ البيضاءُ هي الضوءُ الجديدُ في عامي وعامِكِ، نظرتْ إلى شعرِ رأسي تتفحصه، سألتْني ولكنكَ لم يصبكَ ما أصابني، وضعتُ المشطَ في رأسي وإذا شعرةٌ بيضاءُ تلمعُ وسطَ سوادِ شعري، طمأنتُها بأن العامَ الجديدَ أضافَ لي كما أضافَ لها، معي قنديلٌ سيضيءُ خصلاتِ شعري كما أضاءَ شعرك، تبادلنا الإمساكَ بالمشط ، مرةً أسرِّحُ لها ومرةً هي تمشطُ لي شعري، أرادتْ أن تنزعَ البياضَ من السوادِ فأمسكتُ بيدها ونهيتُها بأن تتوقف، قلتُ لها : دعي العام يُلقي علينا بياضَ فرحتِه على رأسينا! هذا أولُ يومٍ في العامِ الجديد، هدأتْ نفسُها وهي تقول: لقد استمتعنا بالسوادِ في أعوام مضت، دعنا نشعلْ القناديلَ من هذا العام، ابتسمتُ في وجهها وأنا أضعُ أصابعي في مفرقِ شعرها، قلتُ لها لاتقلقي، تستوي في نظري كلُّ الألوان عندك ، سوادها وبياضها، المهمُّ أن يُشعلَ القنديلُ الستارةَ السوداء ، أعني كُلَّ خصلاتِ شعركِ.
كل مكان وزمان هناك قصة حزينة أو مفرحة.. هي الدنيا.
شكت لي إحدى الرفيقات المقربات مرارة الحياة.. وقسوة الأحداث.. وعذابات الفقد /
كيف أتنفس دارََا لاتبتسم؟
مسكونة بالخوف واللوعة والإضطراب
كابوس ثقيل بسببه لا يهدأ لي بال ولا يستكين به خاطري.
داري حافلة بالمنغصات.. مدعومة من ضائقات الأحداث.. ومجرياتها.. مفعمة بمشكلات وقضايا لاتنتهي.
كيف أنعم في دار يعمها الظلام..تنتشر بها كوابيس الليالي المعتمة.. المثقلة بدياجير المعاناة.. ناشبة مخالب الإنهيار على جدار سكينتي.؟
أمي.. أبي.. إخوتي.. وكل عائلتي أي تربة تضم رفاتهم؟
وحدي أهيم في مهاوي العذابات
وفي بحور الإنكسارات أجدف حتى لا انتكس وأخسر إصراري وشجاعتي لمواجهة أعاصير قادمة لامحالة تقتلع جذور جسارتي.. وفي بؤرة القسوة أجدني وحيدة في عالم غريب.. يحاصرني الصقيع وزمهرير شتاء قارس يقض مضجعي.. وينتهك راحتي.
أبحث عن حضن دافيء يحتويني.
أحاول جاهدة أن لا تنطفيء شعلة سراجي الضعيف من أجل أن أحمي داري من الرياح العاصفة بكيانها من حيرة ونكسة القهر.
أحاول مقاومة دمعي.. ومحوتاريخ سجل عذاباتي وأنيني..
ليتني أنساه.. قدرََا أسود الخطى.. ذاك الماضي الذي أغفل الجميع وجوده.. مازال يركض في مخيلتي.. كم أود نسيان تفاصيله المؤلمة وأحيا على حفنة من جماله.
سأضم الكف بالكف وأجمع شتاتي.. وأرفع كفى لله وحده.. هو من يغيث قلبي ويطفيء لهيب نبضي. يسدل علي الستر ويضم ذاتي المكفهرة في دار لا تبتسم.
هكذا شكت لي بوح ذاتها التي تذوقت اليتم مرات وكرات.. أعانها الله.