رثاء والدتي جميلة البهكلي رحمها الله وغفر لها وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة
جميلة البهكلي
رحلتِ بقلبي، ولم ترحلِ
إلى غير قلب المحبِّ الخَلَيْ
رحلتِ بنفسٍ أضاءتْ سَنًا
بروحِ المحبِّ، وقلبِ الولي
رحلتِ بِــسِرِّ الورودِ شَذًى
وعطرِ المَجالسِ والمحفلِ
رحلتِ.. ويا ليتني راحلٌ
وليتَكِ يا أمُّ لم تَرحلِ
أنامل كفّيكِ.. مَهدِي الذي
تَكوَّنتُ فيه، ولم أعقلِ
ومن راحتيكِ الحياةُ سَرَتْ
وفيها ارتياحِي الذي أجتلي
علَى هَدْهَدَاتكِ قلبي نما
وأُشربتُ من لحنها السَّلسَلِ
وأَوَّلَ خَطوي.. فؤادي خَطا
إليك، ولم تحتمِلْ أرجلي
علَى قدميكِ.. نَـمَتْ خَطوتي
رَسمتِ طريقي إلى مأملي
سَقيتِ فؤادي الهوَى والهُدَى
وغَذَّيتِني بالسنا الأجملِ
حَكاياكِ.. في مسمعي لم تزلْ
تَرِنُّ، وترنو، كما البلبلِ
أصابِعُكِ الغُرُّ أشعلتِها
شموعًا بِليل الجَوَى الأَليلِ
فظلّتْ تُنيرُ دروبي أنا
وكم أحرَقتْ إصبعًا مخملي!
غَرستِ الوِرادَ بصحرائنا
فهذي وِرادُكِ لم تَذبلِ
ولما وقفتُ علَى مَدْرَجِي
ولاحتْ بيارقُ مُستقبَلي
هنا.. رَمَقتني، وقالت: عليْ
هناك طريقُكَ، سِرْ يا علي
وحينِ ابتدأتُ المسيرَ اختفَتْ!
فصِرتُ يتيمًا، ولا أمُّ لي!
فيا أُمُّ.. يا أُمُّ، تاهَ الصَّدَى
وصَمَّ المَدَى.. والجوابُ تُلِي:
إلى الله قد رحلَتْ أُمُّنا
طَوَى سِفْرَها الموتُ، لم يُـمهلِ
وإني لأعلمُ أنَّا غدًا
نموتُ جميعًا، ولم أَجهلِ
وأعلمُ يا موتُ أنَّ المُنَى
حصادُ المنايا بلا مِنْجَلِ!
فليتَكَ أعطيتني موتَـها
وأعطيتَ من عُمُرِي المُقبلِ
ولو كان يُغني الفداءُ.. أنا
فداءٌ لها، غيرُ مُسْتَمهِلِ
لسانُكِ -يا أُمُّ- رَطْبٌ، فقد
تَعَوَّدَ ذِكْرَ العَليمِ العَلي
وفي رُكْنِ بيتكِ سُجَّادةٌ
تفوح بأورادِكِ الأجملِ
فكم قَبَّلتْ جبهةً قد سَمَتْ!
وتَهويْ سجودًا لكي تَعتَلي!
وهذا خِـمار الصلاةِ بكَى
وقلبُكِ في نَسْجِهِ يَصطلِي
دموعُكِ كانت عطورًا لهُ
فحَنَّ إلى عطركِ المُذهلِ
ويا أُمُّ حينَ ارتحلتِ بِكتْ
عليك الرَّدِيمةُ في مَعزلِ
وتلك البَشَامةُ قد قَطّرتْ
دموعًا تَـجمَّدْنِ لم تنزلِ
رَياحينُكِ الخُضرُ يا أُمَّنا
من الحُـزْن أمسينِ كالأرملِ
وتَنُّورُ أُمَّيْ خَبَتْ نارُهُ
أما كان مِنْ قبلُ كالمِرجَلِ؟!
فيا ربّ يا ربّ أميْ مَضتْ
بقلبٍ -يحبّكَ- مُستعجِلِ
وكم ذا بِـجوف الليالي دَعَتْ
ومَدَّتْ يدَ الخائفِ الأعزلِ
وما غيرَ حُسنِ الختامِ رَجَتْ
فــرُحمِى بأعظُمها النُّحَّلِ
-ويا واسعَ الفضلِ- فاغفر لها
وجُدْ -يا إلهِيَ- بالأجزلِ
وفي جَنَّة الخُلدِ -ربَّي- أَطِبْ
مقامًا لأميْ مع المُرسَلِ
ولا تَعذِلُوا القلبَ في حُزْنِهِ
فقد صَمَّ قلبيْ عنِ العُذَّلِ
يُسائلُ عَنْ نبضِ قلبي، وعَنْ
حَبيبةِ رُوحِي، عَنْ الأجملِ
وعَنْ كلِّ حُبِيْ، وأسمَى الهوَى
فقلت: (جميلةٌ البَهكَلِي)