لا شك بأن المفردة اللغوية التي يختارها الكاتب تؤثر في مسار مشروعه الكتابي، ولهذا تكون اللغة متفاوتة من مشروع لآخر، فالشاعر يحمل في كتاباته أدواته الشعرية والراوي يدعم حكاياته بالسردية المثخنة بالأدب المحترف، بينما تطفو المفردة الموضوعية والمباشرة في المشروعات المقالية والكتابات الموضوعية بشكل عام ليصل المعنى لأكبر قدر من القراء.
إن اللغة المقالية المباشرة سهلة وسريعة الوصول لاهتمام القارئ، الذي يتوق لمعرفة نهاية الفكرة المعالجة سريعًا، بينما تبقى المفردة الأدبية أكثر تخصصية وانتقائية لجمهورها من سابقتها، وهكذا تُعرف لغة وأسلوب الكُتاب والشعراء والأدباء كل بحسب اشتغاله، فمتى يكون الأمر شائكًا؟
عندما تجتمع المهارتان والمعجمان في رأسك، وتنطقان في الوقت نفسه، الكينونة المزدوجة! اللون السوريالي الذي يطبعه الشعراء والأدباء على أوراقهم المعتقة برائحة الأدب العربي والمترجم المختلف، الغوص في الفجوات الشعورية واللاشعورية! استنشاق هواء الدهشة والسمو في إبداع المشهد وطراوة اللغة.
على الضفة الأخرى، هناك الصياغة الموضوعية الأكاديمية التي علمتنا اختزال الكلمات في كتابة المقالة، فكل جملة لها موقع من الإعراب والمعنى، وفي حذفها نقص جذري لفكرة المقالة، المقالة التي لا تكتبها الموسيقى أبدًا لكيلا تبعثرها العاطفة! العاطفة التي قد تسطو على رأس الكاتب/ة فتغرقه، إلا أن المقالات الصحفية الأسبوعية ليست للغرق كما المقطوعات الشاعرية، بل للإنقاذ ولمواجهة الفكرة بنظيرتها، فأين تكمن الصعوبة؟
عند وقوع الحدث، تخرسك الدهشة والارتطام المدوي في رأسك! تتمنى لو تكسر القلم أو تكتم صوته مؤقتًا، أو تنسحب كليًا من المشهد، لكنك مدفوع بعهد قطعته بينك وبين مسؤول التحرير قبل أشهر، إنهم ينتظرون مقالتك بنكهة صحافية منتظمة خالية من نتوءات الأدب ودخان الشعر، هيا لقد صار الوقت الأخير، فاحسم أمرك وتذكر الآن أنك كاتب رأي! وأن قراء المقالة ليسوا كلهم من الشعراء ولا القاصين.
يصاب الكاتب أحيانًا بلفحة صمت، لا يدري من أين أتى هواؤها، لكنه على أية حال بحاجة لـ«التصومع» وربما الصمت مؤقتًا، لحين يسترجع عافيته النفسية واللغوية، وله ذلك، إنما إذا كان كاتبًا مُعلقًا مثلي فلا خيار لديه سوى حقن دمائه بالطاقة المستوردة، ليتم مقالته، ثم يعود للحظته العاطفية.