مرحباً بأصدقاء الأدب والكُتب, هنا ملتقى الأدباء ومجلة الكُتاب العظماء, هنا حيث ننثر من ربيع الكلمات مطراً .. أهلاً بكم
فنار و وهج ..
في حياةِ كلٍ منا حائطٌ كبير فيه خاناتٌ معينة تُوهبُ لأفرادٍ معينين، كلُّ فردٍ له خانة تحيطُ بمساحتهِ وتليقُ بمكانته.. فالخاناتُ الكبيرة تُمنحُ لمن لهم حقُّ البرِ و الرحم.. وتتضاءلُ الخاناتُ بتقلصِ الحقوقِ الواجبةِ لأحدهِم، إن وهبتَ خانةً كبيرة لعنصرٍ ضئيل ضاع في رحابتها، وأفسدَ الخانةَ، وربما تجاوزَ فأفسدَ خاناتٍ مجاورة.. وإن وهبْتَ خانةً صغيرة لمن يستحق أكبرَ منها، لربما تعسرت حريتهُ فيها، وقد تُطبقُ عليه أضلاعها اختناقًا و ضيقًا. إعطاءُ خانةِ الوالدين للأصدقاء عقوقٌ و هدر لحقوقهما وإسبالُ سِيادةٍ للصديق لاتحق له.. أن تجعلي صاحبةً تسرق خانةَ شريكِ الحياة سيجعلهُ ذلك في حالةِ حرمان دائمة. أن تَهبَ زوجتكَ خاناتِ أهلكَ مجتمعين وتحشرهم في خانتها ظلمٌ وهضمٌ لحقوقهم.. أن تمنحَ الغريبَ خانة القريبِ وذي الرحم تكون بهذا قد فرَّطتَ في صِلاتكَ ولربما ندمتَ على منحِ من لاتعرف مالا يستحق، ذو اللبِّ لايقضي أيامه ناسكًا في محرابِ صداقاته مهملاً من قد يكونون سببًا في رضا الله عليه.. فاقدُ الحكمةِ يفسدُ حياتَه بعدم قدرتهِ على إشغالِ الفراغِ المناسب بالعنصرِ الملائم، كلعبةِ لغزِ القطعِ الصغيرة.. لكل قطعةٍ مكانُها و إلا فسد الشكلُ و انهارَ البناء. ربطُ الخانةِ بعنصرها فنٌ يجيدهُ من يضعون الناس في منازلهم.. فيُسعِدون و يَسْعَدون .
(( كنت، وما زلت، وسأظل أؤمن أن إسرائيل ورم سرطاني يجب استئصاله.. هي شيء عابر وطارئ.. أو مؤقت.. هي بالضبط مثل نبتة غريبة جلبت من مكان بعيد لتُزرع في أرض مختلفة وطقس مختلف.. جلبوا لها أفضل أنواع الأسمدة الكيماوية.. وأفضل مهندسي الزراعة بالغرب.. ودعموها بأجود أنواع مياه الري مع أفضل وأحدث الأدوات الزراعية.. والنتيجة: نبتة ميتة.. أو في أفضل الأحوال مشوّهة ولا مستقبل لها.. و «الإسرائيلي» في داخل أعماقه يؤمن بهذا: الحرب ستأكله، واللا سلام سيأكله أكثر! لهذا ما يزال الإسرائيلي يحتفظ بألبوم صوره الذي جلبه من «بولندا» وعنوانه القديم.. والآخر لم يبع شقته في «روسيا» حتى الآن! والثالث ما يزال يحتفظ -في مكان آمن- بهويته القديمة للبلد الذي أتى منه. إسرائيل: نبتة مشوّهة.. شبه ميّتة. فلسطين: شجرة الزيتون. وستظل هذه الشجرة قائمة على أرضها طالما أن هنالك عجوزا تشعل نار تنّورها لتطعم أولادها الخبز والمقاومة. وطالما أن هنالك امرأة تقدم ثلاثة شهداء من أولادها وتنجب بدلا منهم سبعة. وطالما أن هنالك كهلا طاعنا في السن والحزن، ما يزال يحتفظ بمفتاح بيته القديم. وطالما أن هنالك رجلا وامرأة يصرّان كل أسبوع أن يصليا الجمعة في المسجد الأقصى. ستظل فلسطين الثابتة.. وستذهب إسرائيل الطارئة )) .
يبدو لي- والله أعلم- أنّ جيل اليوم أكثر ثقافة من الأجيال السابقة مع احترامي لكفاحهم السابق والذي لاشك أنه لبنة من لبنات بناء التقدم اليوم .. وعاطفتنا لاشك تتجه نحو الأمس كذكرى وكمجموعات بذلت الكثير للعبور نحو الضفة الأخرى ، وطبقت المبادئ، والقيم في النقل ،والتعليم ،والصدق في العطاء مع كثير من التواضع، أو المبالغ ،والتنازل المتكرر ،أو التسامح المفرط ،ولاشك أن تلك القيم مهمة، ومن تعاليم ديننا الاسلامي ولكن المبالغة فيها تخرج الفرد من حيز المؤمن القوي إلى حيز المؤمن الضعيف ،و تقف حاجزا بين المثقف ،ونفسه ;كقالب ثلج قاس وحاد لكنه يذوب بسهولة أمام لهب بسيط .. لذا ومن باب التجربة الشخصية أنصح بعدم الطيبة الزائدة عن الحد وخاصة في الحقوق التي قد يستلبها منك من هم أقوى وأكثر جرأة منك كما أنصح بعدم الثقة العمياء، فنحن مقبلون على أيام شرسة تحتاج التمكن، والمقدرة، والفطنة، والذكاء، وبعض الخبث من أبنائنا ،و انتهاز الفرص الجيدة ،وعدم الخجل من طموحك، و اجتهادك ،أو الالتفات للهمز واللمز، و الانتقاص، مع التذكير بعدم تجاوزالحدود الدينية والسياسية والمجتمعية … تصر مجموعة كبيرة على أن تعليم الماضي كان أفضل لكنني أصر على أنّ التعليم ليس قراءة وصفة الدواء عدة مرات وإن اكتسب القارئ لغة ومفردات ، وليس قراءة مكونات مبيد الحشرات رغم حفظ التراكيب الكيمائية لها .. لقد كانوا يطاردون المعلومة المجردة للاحتفاظ بها حاضرة في الذهن وتبادلها كتعبير عن الثقافة ولم تهبط إلى أرض الواقع أما جيل السنوات العشرين الأخيرة يستقبل المعلومة الواضحة ثلاثية الأبعاد بالصورة والصوت بل وبالحركة ورغم الجهود القليلة أو غير المقصودة على الأقل من جانب الطالب إلا أنه أكثر استيعابا، وأكثر استفادة ;حيث يكتسب الجرأة، والثقة بالنفس، ومواجهة المواقف مقارنة بمعظم مثقفي الأمس الذين كانوا غالبا يحفظون الكتب، والمجلدات ،ولكنهم يخشون مواجهة الجمهور، أو اتخاذ مواقف جريئة ،وأحيانا كانت تنسب الأعمال لغير صاحبها الحقيقي بينما هو خجل صامت لايبدي حراكا .
قد يسأل القارئ الكريم عن سرّ اختياري العنوان أعلاه والذي حمل ” كتاب ” ليكون عنواناً لمقالتي ” وهذا السؤال يثير الكثير من الاستفهامات والتي تحتاج للكثير من الإيضاح والإفصاح ، وللأمانة لم أجد ما ينصف قيمة المعرفة والحديث عن الثقافة كمفهوم عام إلا بوضع هذا العنوان العظيم والشامل ، وهذا العنوان – أي كتاب – يحمل كل شاردة وواردة عن الثقافة والمعرفة والتجربة والدراية ، فالكتاب كان ومازال له مكانته وقيمته وإن تحوّل القارئ من المحسوس المادي الورقي إلى محسوس افتراضي عبر شاشات التقنية، افتراضاً فرضته ضرورة العصر والمرحلة الحالية، ونحن جزء من هذه المرحلة بلا شك !
الكتاب الذي مازالتِ الألسنةُ تكرِّرُ ما يقوله وتأخذ به ، وتستشهد بمعارفه وحكمه وأمثاله شعره، ونثره ،وتعيده ; مُثْنِيَةً عليه، ومعجبةً به، ومتقنة له ومحبّة له .. الكتابُ.. ذلكَ الصديق الوفي الذي لا يجبر صاحبه على القراءة فهو يمنح صاحبه حرّية القراءة بحب ، والصاحبُ المخلص الذي يمنحك الرؤية الأعمق والأبعد في الأمور ، ويأخذ نحو مجرّات لم تكن لتراها من قبل ، وهو الروضةُ التي لا تَذْبُلُ أزهارُها ولا تصمت عصافيرها وهو الكنْزُ الذي يفتح لك دفتيه مرحّباً دون أن ينقص منه شيئاً بل يزيده ويزيدك ، ويؤنس وحدتك ولا تخاف عليه من الضياع والاختطاف والسرّاق .
كان عميد الأدب العربي – طه حسين يقول :
” لا فرق عندي بين إنسان وآخر , رجلاً كان أوامرأة إلا بقدر ما يقرأ وحجم ما يقرأ وحجم استيعابه لما يقرأ من صفحات ” ..
فالتاريخ يخبرنا بأن الكتاب على مدار العصور صديقاً ملازماً للمثقف الحقيقي ومعيناً له في أسفاره ورحلاته حافظاً لآرائه ومستودعاً لأفكاره يألف صاحبه ويألفه حتى باتت صورة المثقّف عند العالم وفي يده كتاب .
فكرة أخيرة :
أَعزُّ مكانٍ في الدُّنا سَرْجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ