الغوغاء والرعاع من الناس، هم أصل أصيل لجل الشرور وأخطرها. حتى وإن كانت قلوبهم أضعف من قلوب صغار الجراد.
بل إنهم وقود لكل استبداد ولغط وغواية -وكم تمنيت أن يكون رخص بنزين ٩١ أخضر اللون كرخصهم - هم ذاتهم من أحرق الفيلسوفة" هيباتيا " عام ٤١٥ م. وذلك بعد أن سحلوها عارية مقيدة اليدين في شوارع الإسكندرية حتى ماتت.
وخطورة هؤلاء تكمن في أنهم بلا قيم أو قيمة، وبلا وجهة أو وجه.
هم تماماً كما وصفهم الإمام علي بن أبي طالب" أتباع كل ناعق. يميلون مع كل ريح "
هم قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو الرجل العجوز الذي تجاوز عمره الثمانون عاماً.
فهم السفهة السفلة الجهلة لايراعون أي قيمة أو قامة.
وهم من ضرب وداس الإمام الحافظ وأحد أئمة الحديث النبوي الشريف "الإمام النسائي " حتى أخرجوه من الجامع الأموي بدمشق. ليحمل إلى الرملة في فلسطين ويستشهد هناك.
وهم من حال دون دفن جثة الإمام الفقيه المفسر "الطبري" وقد جاوز الثمانين من عمره وذلك بعد أن حاصروه حياً وميتاً. إذ أنه دفن في صحن داره. وبقي الناس شهوراً يأتون إلى بيته ليصلون عليه.
تقول المنظرة السياسية والفيلسوفة الأمريكية من أصل ألماني "حنة آرت" وصاحبة مفهوم "تفاهة الشر" تقول :بأن الشر لايحتاج إلى وحوش شيطانية. بل إلى ماهو أخطر. يحتاج إلى الحمقى والمغفلين.
وهذه هي أبرز سمات الغوغاء وأوضح معالم الرعاع. قد يوظفهم كل مستبد وكل طاغية وكل مؤثر غير سوي. قد يوظفهم ويسيرهم نحو أهدافه ويستعملهم تارة كحذاء ليقي قدميه وهو يسير نحو مايريد. وتارة كدرع ليحمي صدره وهو يهاجم من لايريد. هم أدوات يمكن الاستغناء عنها في حال الانتهاء منها . لذلك لايمكن أي يعول عليهم. فهم للغش والتدليس، وصناعة الزيف ليس إلا.
لذلك كان قد عرفهم المفكر "عبد الرحمن الكواكبي" بأنهم أفراد من ضعاف القلوب، الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم المستبد كنموذج البائع الغشاش على أنه لا يستعملهم في شيء من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة، أو سبحة في يد زنديق، ولهذا يقال دولة الاستبداد دولة بُله وأوغاد"
وأخيراً..
لعلي تحدثت عن شأن غير أدبي في منصة أدبية، وعبر المقالة. وهذا كله إيمان مني بأهمية وجود وبقاء المقالة كجنس أدبي عربي أصيل مذ كتاب" صيد الخواطر " لمؤلفه" ابن الجوزي "والذي كتب المقالة قبل أن تَلِد جدة رائد المقالة الحديثة الفرنسي" ميشيل دي مونتين " بأمه.