شرعتُ في ترتيب غرفتي كانت تعجُّ بالفوضى، لست محافظاً على أشيائي ومشترياتي كثيراً؛ بل إني قريب من الاهمال، لدرجة العبث، هناك ساعات شبه جديدة ملقاة في الأدراج تدقُّ بخفوت، وأقلام ملونة في مقلمية تئن من الهجران، وأحذية جلدية تعطّفت من الرطوبة والحَر تقبع في صناديق خشبية، ضاعت منها جوز الرُجل اليسار وبقيت جوز اليمين والعكس، لم يبق لها فائدة، وكم طلبت منّي زوجتي أن أتصدق بأشيائي على الفقراء، وأنا أتكاسل وأنسى.
ثوبي وشماغي وعطري ثلاثي كأصدقائي تضفي عليَّ الوقار ، أحملها في الدروب تقاسمني حر الصيف ، تجلب لي الدفء في ليالي البرد ، تشاركني همومي وأسراري ، تحفظ انفعالاتي مثل ذاكرة داخلية ، غير أن عطري يشيء بي في بعض الأحيان ولا أستطيع أن أُخْفيه ، ينتشر في الأرجاء يمارس حريته ، فلا أحد يستطيع كبح جماحه ، العطور وُلدتْ حِرة طليقة تطير مع النسيم ، لكن مع الأسف تدخل كل الأنوف التي أحبها وأكرهها ، ثوبي يبدو عليه الفتور لم يعد على مقاس جسمي السمين، لقد انكمش من الغسل المتكرر ، وشماغي الأحمر قد أخرجت أثقالها وبان فتالها، وطاقيتي خالط لونها الأبيض الصبغة السوداء ، وعِقالي سبب لي الحرج في استعماله سلاحاً للدفاع عن النفس ، لكن لابأس ، لست غنياً ، الحال مستور، ولا يعنيني المظهر كثيراً ، أما ملابسي الداخلية بين الأديم والثوب ، تعاني من اضطهادٍ داخلي.
كانت أمي تتذمر من إهمالي لأشيائي كانت تقول: "لو لم يكن رأسك مرتبط برقبتك لأضَعتَه".
لقد أتعبتُ أمي كثيراً وأنا طفل عندما أضيع أشيائي وأطلب منها أن تبحث عنها معي.
ذات يوم دبَّ خلاف بين شماغي وثوبي كل منهما يريد أن أرتديه في كل وقت وفي كل مناسبة تحت كل سماء وفوق كل أرض، قلت: "حسناً، سيكون معي من يكون نظيفا. أنتما مكملان لبعض" سارعا إلى التنافس، كان الشماغ محافظا على شموخه مثل رأس الكوبرا نظيفٌ كالصابون، بينما عاد الثوب حزينا إلى سلة الملابس المتسخة ينتظر الغسيل ليعود ناصع البياض مجدداً، لقد باح بسري العائلي ذات يوم عندما أحتفظَ بلون أحمر شفاه تزين كتفي فأصبحت عِرضة لتهكم زملائي، وعطري الذي أحبه كاد أن يتسبب في إحراق سيارتي من حرارة الشمس، من غضبي عليه ألقيت به في صفيح القمامة مهشما، وشماغي استبدلته بآخر لوجود شعرات سوداء ناعمة تتشارك مع فتاله.
وثوبي الأبيض أعطيته إجازة إلى الصيف، وساعاتي كرهتها لأنها تظنُّ عليَّ بالوقت وأنا لا أحب الانتظار، وأقلامي هجرتها لأنها تذكرني بكتاباتي الفاشلة..
جمعت بعض أشيائي التي لم تعد صالحة لهذا الزمن، ثم أسرعت بها إلى سوق الأشياء المستعملة، بعتها بثمن بخس ، عدتُّ حزينا أتجرع حنين الذكريات ، تخنقني العَبرة فلكل شيء من أشيائي مواقف لا تنسى، لقد اندمجت أشيائي في فوضى الأثاث المستعمل، وربما بيع كل شيء بمفردهِ وذهب إلى جهة غير معلومة .