كنت بالأمس أتابع نصاً قصصياً بحيث كل مشارك يتخير عنواناً بديلاً للعنوان الذي وضعه كاتب النص والبعض يعلق بالقول 🙁 العنوان المفتوح ) وكأنَّ بقية العناوين أو العنونة المقترحة ليست مفتوحة؛ بل مغلقةً.
باختصارٍ شديد العنوان المفتوح هو: هذا( العنوان القابل للتأويل من المتلقي؛ بتفسيراتٍ مختلفة؛ ودلالات مختلفة ؛بحسب رؤية المتلقي؛ وثقافته وفكره؛ وقدرته النقدية؛ بينما العنوان المغلق هو:( ذلك العنوان الذي يعطي دلالالة واحدة؛ وغير قابل للتأويل ؛وغالباً مايكون كلمة من النص ؛أو أنه واضحٌ لايقبل التعدد والتفسير.)
ومن هنا يقودنا الطرح إلي مفهوم العنوان في النص الأدبي.
وقبل تناول هذه القضية؛ نُعرِّج علي دلالاتها في المعجم.
فقد جاءت العنونة من الأصل اللغوي ” عنن” والتي أتت بالمعاني التالية:
– عنَّ له الأمر ” بدا وظهر”
– عنَّ الأمر بفكره” عرض”
– عنَّ عن الشيئ ” انصرف عنه وارتد”
– عنَّ الرجل ” عجز عن الجماع”
– عنَّ الكتاب ” اتخذله عنوانا”
– عَنان السماء” الشيئ المرتفع والظاهر منها”
– عِنان الفرس ” لجامه الذي يضبط به”
ومماسبق يمكن القول:
أنَّ الدلالات عكستْ للقارئ:
– الظهور دون الوضوح ؛والظهور قد يكون جزءاً؛ وليس الوضوح للشيئ كله.
والظهور بعد اختفاء؛ لذلك يقال: ظهر الهلال” ؛فهو تبشيرٌ لمراحل منازل القمر خلال شهر لفْتٍ للجديد المتراكم ؛والمغاير لماسبقه ؛وكأنَّ العنوان تبشير بدلالات لاتنتهي؛ وظهور لشفرة الولوج لعوالم النص.
– من خلال “عنَّ لي الأمر” ؛إذا عرض على الفكر؛ وشاغب الذهن؛ بعد تأنٍّ؛ أو غفلة؛ أو تأمل؛ فعنَّ له الأمر ” خطر بباله” ؛و يكون ذلك حول مشكل لإبداء الحل؛ أو التلويح بالتجديد؛ ففي العنوان إثارة للفكر؛ واستفزاز للمشاعر.
– وفي : ” عنَّ الكتاب”؛ ” اتخذ له عنواناً” ؛أي ميَّزه عن غيره ؛ووسمه بمالايشبهه؛ ليس فحسب ؛جاء ذلك بعد جهد؛ ومشقة؛ حتى بلغ الغاية
في تخصيص الكتاب بمايميزه.
وعليه فإن الدلالات في المترادفات ؛ارتبطت -فكرياً- بإثارة المُخيِّلة والمشاعر؛ ويتطلب ذلك جهداً كبيراً من المتلقي.
وكأنَّ ظهور ؛وغموض ؛ووضوح ؛وجزءاً من كل ؛وإثارة ؛وجذب؛ وتعلق؛ ولفت بمايفضي لفنية العنوان.
أما من الناحية الفنية؛ فالعنوان هو:” يعدُّ العنوان من أهم عناصر النص الموازي؛ وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلاً أساسياً في قراءة الإبداع الأدبي؛ والتخييلي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة.
ومن المعلوم كذلك؛ أنَّ العنوان هو عتبة النص ؛وبدايته، وإشارته الأولى. وهو العلامة التي تميز النص؛ وتسميه؛ وتميزه عن غيره”
أو أنه: تلك الجملة المختارة بعناية والتي ترتبط بالنص ؛والمتلقي؛ وآفاق التأويل.”
وإذا تساءل القارئ؛ ماأهمية العنونة؟
أولت الدراسات الحديثة العنونة بوصفها الإشارة الأولى للنص؛ والعتبة الموازية لدلالات النص؛ وهي القدرة الاحترافية من الكاتب؛ بإشهار نصه وتمييزه عن غيره؛ فضلاً عن كونها علامة سيميائية للنص؛ وجنسه ؛ودلالاته؛ وخطابه؛ ناهيك عن وظيفة العنوان التداولية؛ بين الملقي والمتلقي؛ والسياق العام للدراسة والعنونة؛ هو تلك الأيقونة النافذة للولوج لعوالم النص الداخلية؛ فضلاً عن الوظيفة التأثيرية للعنوان؛ ومن شروط العنوان أن يكون مثيراً جاذباً؛ وملغزاً؛ وليس بالواضح كل الوضوح ليحيل الدلالة صفرية .
ولأنَّ العنوان نصاً موازياً؛ فما المقصود بالنصِّ الموازي؟
النص الموازي ؛” هو تلك العتبات التي نطؤها فبل الولوج لعالم النص”
بمعنى أنَّها تثير مخيلة المتلقي لقراءة النص؛ وتفسيره ؛وتهدي القارئ لسبر الدلالات العميقة في النص ولذلك قيل في موازٍ:
– يشابه النص من حيث جنس النص؛ ومن حيث دلالته.
– يماثل النص: أي يوازنه بحيث يختزل نسيج النص؛ ولا يشترك في شتات الخطاب عبر نسيج النص.
– يجانس النص: يأتيةمتوائماً مع جنسه؛ وليس من حيث الخصائص والمميزات؛ ومن الضرورة بمكان؛ أن يكون النص مختزلاً مكثفاً؛ لكن في الرواية قد يكون طويلاً؛ إذ يأخذ عنواناً يهتم بالمكان.
ولأن العتبة هي ” المكان الأول في البيت ؛ومن خلالها نصل لأي مكان في البيت” ؛فإن العتبات عموماً من العنوان؛ لعلامات الترقيم؛ والألوان؛ ونوعية الغلاف؛ والتواريخ؛ والتمهيد؛ والخاتمة؛ كلها عتبات توصل المتلقي للغاية من النص ؛وقراءة أسراره؛ وكشف دلالته؛ وكلها ترتبط بالنص والكتاب؛ فلا يكون العنوان في واد ؛والغلااف في وادٍ آخر ؛فعلم النص يهتم بتلك الإشارات .
وأخيراً أودُّ التنويه إلى أنَّ العنوان يكشف عن قدرات الكاتب الإبداعية؛ وثقافته النقدية.