إن النكبات واقع حقيقي يتضرّم أمامنا ونعيشه على مضض، لا يمكن استقطاعه ببساطة ولا أن نتخفف من عذاباته بطريقة موجودة مُسبقًا كطوق إنقاذ..
لكننا نستسيغ المعاناة أحيانًا في جانب تأطير مُجرياتها، والانتباه لحذافير طقوسنا الجبرية في غمرتها، نجتبي من أهوالها ما يصلُح لملازمته حتى انقضاءها، فنحن في المعاناة لم نتدرب على انتظار زوالها بقدر اعتمادنا على الدوران فيها في كل مرة بخفة أكثر كمن يعتقد أنه يدور حولها دونما خلاص...
لا تُهم الطريقة التي نسلُكها ضمن أي عذابات، المهم أن تتضمّن نتائجها ضمادة مُسكّنة يهمد إثرها لذع الهلع ووكزات الوساوس ولسعات القنوط الماكرة!
شيءٌ ما يتبدّى بأي هيئة ينفُخ في العدمي معنى،
فتتلقاه الروح كثمرة منابتها اليباس
في حين أن كل شيء مشوش ولا يُستحب اقتطافه من فرط الخطر.
لم يخطط أحدًا لطرائق نجاته لا سيما في أزمات تفوق ذاته!
يعرف المرء كيف يُدير دفّة روحه أحيانًا بمحاولات مُجرّبة فيما يخص معاناته الفردية وقد يفلح الأمر وقد لا يظفر بشيء من ذلك ولكنه ينجو بطريقةٍ ما يعرفها ويُعاود تكرارها حتى يحظى بفهمه الخاص عن أزماته.
هنا في العذاب المستجد بالنسبة لأرواحنا المُتأهبة دائمًا لكل صيغ الحوادث تتآكلنا الجهالة،
أشعر بضآلة الإنسان وتحديدًا أناي التي لا ينبغي أن يداهمها شيء إلا وتمرغته بالطقوس الجادة لمجابهة كل شيء، ما أضأل المرء عندما يُحتكر في المجهول، يعود طفلًا لا يعرف، يتخبط فحسب!
نعم، أتخبط كالطفل الذي لا يوجهه أحد، أتلفّت ولا أرى سوى جمعًا مشدوهًا بجهالة تنحو ألحاظه بيأس نحو اللا معلوم، وكل ما بحوزتي " نزعة التجربة"
أتعامى عن مسألة الخوف إياها، أصد مسامعي عن نشرات الأخبار، أُقرر بعناد طفل أن أتلعثم عوضًا عن السكوت فلربما خرج من فمي الخلاص!
أخطو خطواتي بكل ما أعرف من روع وأجرّب،
أهتدي لوُجهةٍ ما - لا تصلُح فأعود لاهثة،
أُبصر لافتة تضيء - أسلُك الدرب لها بجوع للملموس الذي ألتقي فيه كل ما هو وديع وسامي - أعرف أنها محض وهم ومع ذلك أمضي بزُهد عن الحقائق،
أعرف أنها إساءة لبصيرتي ولكنها أيضًا دُعامة للجزء الحالم الذي يستنير بالأوهام!
أفهم أن الحال لا يسمح بأي أمل مُقنن أو أشرعة بيضاء أمدها بينما العالم يحترق، لكنني أخلق جُهدًا فرديًا لتسريع مخاضات الرِتق والهُدنة والهدأة والضمائد، أروّض قواي المُرهقة في بضعة مسالك يفترشها قلبي ويخامره السكون بينما كل شيءٍ حوله يسعر.
ثمة مُسكّنات لا تلغي حقيقة الألم، لكنها تُرقق من سطوته " النفسية" في ظل ما يمنحه المناعة، ولكلٍ منا مُسكناته التي يختلقها في البدء كالموهوم الذي لا يصدقه أحد، حتى تتتشكل بنتاجها في حياته كركيزة يعتمدها بعد أن تخبط وتجرّح وتأذى من فرط التجارب الفاشلة ولم ينجُ بعد، لكنّه أوجَد الثغرة في نطاق صارم يفرض الهلع والجمود والانكماش ،
ومنها أوجَد مسكناته كمضخة لا يتوقف إثرها عن كونه موجود- متألق- هادئ وإن خالط هدأته الخوف .