:
أقفل لحم أرنبة أنفي فتحاته غير ثقوب ظلت ، ذابت شحمة اذني والصيوان كله ولم يعد يرى لي معالم أذن ، أما شعري الذي كان أول من اشتعل شعرت به وحرارته تسري وسمعت اصوات طقطقات يصدرها وهو ينكمش سرعان ما تساقط بعضها وانكمش الآخر وكان أول رائحة تنبعث مني وانا أقف ، أما أطراف قدمي فكانت بجامتي الزرقاء الحرير تتساقط عليها كلما ارتفع اللهب وهي تحمل قطعا من اللهب المشتعل سرعان ما كان يحترق اللحم تحته وتفوح منه روائح ، أصابعي حاولت أن لا اغلقها عسى أن كتب لي حياة أخرى اتمكن من تدريبها وتمرينها لتعود كما كانت تفتح وتمسك الأشياء ، سقطت كل ملابسي والتهمتها النيران ،شعرت بحرارة وسوائل تنزل من جسدي بحرارة أغلقت فمي انكمش صدري غارت سرتي الصغيرة ، أخذت النار ترتفع لأعلى تغير لون جسدي أصبحت كل ملامح جسدي مثل سائل هلامي عائم سقطت على الأرض أغمضت عيني احترقت رموشي وحواجبي الكثيفة غارت عيناي للداخل حاولت مسح عيني اليمني التي ذاب جفنها منسدلا عليها فأغلقها لكن لم أتمكن شعرت بألم النار صرخت ، صرخت بقوة فحضرت أمي كانت هي أول من وصل حاولت فتح باب المطبخ لكن لم تستطع ، سمعتها تصرخ تناديأبي كان آخر صوت سمعته تشهٌدَ أبي الذي شرع في تغطيتي ببطانية ، رأيت أمي من ثقب بقي في طرف عيني التي التصقت وهي تبكي ...نُقلتُللمستشفى كل من حضر على جسدي من الأطباء كان يقف محتارا كيف يبدأ ،ارتدوا كماماتهم ،كانت رائحتي سيئة جدا لكن بدا عليهم التمرس كانت المرة الأولى في حياتي التي فيها أدخل مستشفى كان الفراش أبيض ودافئا و سرعان ماوضع عليه فراش آخر أزرق ، وضعت مفارش كبيرة تحتي تشبه الحفاظات لكن كانت كبيرة جدا رفعوا رأسي ووضعوا لي كمامة أكسجين كالتي كنت أشاهدها في التلفزيون حين يضعها الممثلون عندماينقلونهم بالإسعاف للمستشفى ، كنت أتصبب سائلا أصفر اللون تارة ، وتارة أخرى يشبه الماء ، وضعت لي محاليل وريدية كثيرة وحاولت الممرضات جاهدات خلع قرط كان لايزال معلقا ليس في اذني فحسب بل تماسك مع شحمت أذني اليمنى التي مالت والتصقت بطرف فكي العلوي الذي بان من خلفه ضرس العقل كان فمي مشوُهاً أمر الطبيببخلع كمامة الأكسجين وطلب تجهيز غرفة العمليات ، شعرت ببرودة أطرافي و أرتفاع صدري ، رفعت يدي فشعرت بالاختناق وأغماءة ظننتها قصيرة لكن كانت لساعات ، أُدخل جسدي المحترق للعمليات وشعرت ببرودة أنبوبة الجهاز التنفسي وهو يدخل إلى بداية قصبتي الهوائية ، إمتلأت رئتي بالهواء البارد ثم طردته خارجا ، أصوات الأطباء والممرضات حولي أصوات أدوات الجراحة فتح علب المعقمات ، أصوات فتح أكياس الشاش المعقم كلها كانت ترن في أذني شعرت ببرودة جسدي للحظات منذ بدء إدخال المحاليل ،بعدها لم أعد أشعر بألم مثل البداية كنت بلا جلد بقايا قطع البجامة المحترقة لاتزال متيبسة على أطراف أصابعي ، مكثت مايقارب التسع ساعات في غرفة العمليات، حضر طبيب المسالك البولية ليحدث لي فتحة بعد أن التصقت كل معالم جهازي البولي ليقلل من حجم مثانتي التي سرعان ما امتلأت ، لأني لم أفرغها قبل الحريق ، شعرت بالحزن على أمي كلما تذكرت صراخها ، لم يستطيعوا عمل شئ غير تضميد الجروح ، لأني كنت أفقد السوائل من كل جسدي رغم المحاليل ،وضعت له شبك صغيرة كانت تحوي مادة مضادة للالتهاب غُطي رأسي لفت ساقاي وذراعاي ، كنت مابين الإغماء والغفوة حين استيقظت بل لم استيقظ أساسا فأنا ميتة وكل تلك القطع كانت لا توضع علي بل كانت تزال ، هناك بالدخل لم يستطع الطبيب عمل شيء حتى جهاز الصدمات حين شحنوه لي ٣٦٠جول رفض الطبيب قائلا : DNR ، صمت الجميع فلم يعد جسدي المتفحم يقوى على المزيد من الألم وإن بقي شيء من اللحم فيه لكنه كان ذائبا .
أغلق جهاز التنفس الصناعي وسحب مني الأنبوب الذي لم يتمكنوا في البداية من أخذ مقاسه الصحيح لاختفاء شحمة أذني وبروز ضرس العقل الذي أربكهم في ذلك .
أبعدت كافة المحاليل عدا قرط أذني ظل ملتحما بي ، أحضروا لي سريرا حديديا وفرشا فوق شرشف أبيض غطي مرة أخرى بحفاظات كبيرة بعد أن كفنوني . مرت الساعتان على مكثوي ، نقلت على السرير وعلقت على صدري ورقة تحمل أسمي وعمري وجنسي والتشخيص واسم الطبيب كما علقت على قدمي علقت ورقة أخرى تحمل نفس البيانات ، سحب العامل الترويلي لخارج غرفة العمليات كانت أمي تصرخ وسقطت مغشيا عليها ، جلس أبي على الأرض ولم يستطع الوقوف ، سحبت بصمت لثلاجة الموتى لحين إنتهاء إجراءات التحقيق والتشريح في سبب الوفاة وسبب الحريق ...
حين وصولي لثلاجة الموتى كان الصمت سيد المكان أخذ ملفي ووضعتُ في الدور بانتظار التشريح ، كانت هناك جثة لميت آخر بدا لي من طول الشرشف الذي يغطيه أنه طفل ، سمعت الطبيب يقول : إنه انتهى منه للتو ، أخبر مساعده في الغرفة أن سبب الوفاة الخنق باليد حتى الموت ، أزيحت جثة الفتى عن الترويلي الحديدي ، كان الجو باردا جدا وسُحب الطفل إلى الدرج القريب لباب في غرفة أخرى مجاورة تفتح مباشرة على غرفة التشريح ، حمل الطبيب خرطوم مرشة الماء وعمل على تنظيف السرير الحديدي ذا الثقوب الجانبية لنزول الماء ، توجه مساعده ليساري كان هناك دولاب ذو أربعة أدراج سحب الثالث وتناول منه شرشفين ووضعهما على طاولة كانت قريبه من الترويلي حمل أول ورقة ووضعها على طرف السرير الذي جأت عليه ثم أخذ الأخرى وألصقها فيها ناداه الطبيب أعطني القادم الأن : أجابه : ماجدة ، أنثى ، 35 سنة ، التشخيص حروق من الدرجة الرابعة .
قال الطبيب بعد أن لبس كلاهما ملابس أخرى وكمامات وقفازات: : لننقلها على سرير التشريح ، نقلت وأزيح عن جسدي كافة الشراشف التي ظننتها كفني وليس هناك داعٍ لدخولي لهذه الغرفة اللعينة التي جردتني مجددا من كل شيئ.
وضع مساعد الطبيب شرشف حجب به صدري الى الركبتين رغم أنه لم تعد هناك معالم في جسدي بارزة تذكر ، سأل مساعد الطبيب إن كان قد رأى مثل حالتي هذه فأجابه الطبيب : كثير لكن ليس كلهم حروق بسبب حوادث هناك المتعمدة منها ،شرد قليلا المساعده فناده الطبيب مخبراً إياه إنه ليس لديه اليوم كله مع هذه الرائحة .
فتح حوض كلوي يحوي معدات عرفتُ من صوتها أنها من الحديد وضعها على طاولة قرب رأسي ، التقط الطبيب منها ملقطاً مسننا ، حاول به سحب قرط أذني الذي تمنعُ عن الخروج معه رغم محاولاته لكنه تناول مقص التشريح وانتشله مع قليل من الحم ووضعه في علبة ممتلئة بسائل أبيض شفاف وأحكم إغلاقها ، بعدها وضع أصابعه على فكي الأيمن ونظر للتجويف الذي استقر فيه ضرس العقل بوضوح، أدار رأسي للجهة الأخرى ورفعه قليلا ثم مسح بيده على رقبتي وقال لمساعده وهو يتحسس ترقوتي وحنجرتي سجل عندك :
لا يوجد أثار لمشادة خنق ولاكدمات بالرأس لكن يبدو أن الرأس كان بداية الاشتعال لأنه الأكثر تضررا ولا يغطيه لحم أو شعر كما الأطراف ، تحسس بأصبعه عظام جمجمتى الصلعاء فجأة انطفأت الكهرباء ، صمت الطبيب قليلا ثم عاد رافعا صوته شاتما الصيانة التي لم تقرر سوى هذا الأسبوع تركيب محولات الكهرباء الجديدة وفصل غرفة التشريح عن غرفة الثلاجات ، توجه المساعد لغرفة الأدراج حيث الثلاجة لم تزل مضأة ثم طلب من الطبيب التوقف لحين عودة الكهرباء فجأة رن جرس الهاتف كان مهندس شركة الكهرباء يطلعهم أنه سيتم الفصل اليوم وقد يأخذ من الوقت الأربع الى الست ساعات ، وأنه حاول الاتصال بهم قبل ساعة لإطلاعهم لكن لم يرد احد عليه، أغلق المساعد الهاتف ونظرإلى الطبيب الذي كان لايزال جالساً على كرسيه وعدسات نظارته تلمع مع الضوء المنعكس من غرفة الثلاجة تنهد قائلا : لنوقف التشريح اليوم ونعود مع عودة المولد للعمل ، لندخلها في الدرج المخصص لها لحين انتهاء الوقت ...ُسحبتُ وقد غُطي كامل جسدي لكن هذه المرة بكيس شفاف غلف كامل جسدي فتح الدرج 13 ووضعت فيه ...