القاعدة الأولى- تجاهل الأبواب
حدثني مَن ظننت حديثه صدقًا عن رفيق له ابتلاه الله بحبّ الكتب، نهل من القراءة ما شاء الله له أن يفعل، وحين امتلأ صدره بفيض الأدب، ومنَّ الله عليه بالفكر؛ فكتب وكتب، كلّ أمره كان خيرًا، حتى نصحه رفيق بأن ينشر نتاج فكره، ويطرق أبواب الأندية الأدبية، ومن يومها وهو في حال شد وجذب وهمّ وكرب.
فلم يعد يراه أحدٌ إلا شاحذًا قلمه وحاملاً لفافة ورقه، غلب جسمَه الغمُّ وعلا وجهَه الهمُّ، خانه البصر ولازمه الكدَر.
حتى إذا ما حان يوم ذهابه لقلعة النادي المحصَّنة، تجمَّل بثوبه، وتطيّب بالعطر، دقَّ مقبض معاقل الأندية بابًا بابًا، فلم يردّ عليه أحد.
وذات يوم وهو على باب النادي، وقد أرهقه الهبوط والصعود، وهدَّ يديه الطرق على الأبواب، قفل راجعًا حينها مطأطئ الرأس، فسمع تنحنحًا لرجل خلفه، فالتفت فرأى شيخًا قد جاوز الثمانينيات، وشيك سقوطه لولا عكازه، فهرع إليه وعاونه على الجلوس، فجلسا سويًّا أمام بوابة الحصن المغلق -النادي الأدبي المزعوم-.
بادره الشيخ بالسؤال:
• هل تظن أنك ناشرٌ كتبك لديهم؟
• أتمنى ذلك؛ فقد قضيتُ أعوامًا أحاول، وما من مجيب.
حكَّ الشيخ رأسه متفكرًا.. إليك النصيحة الأولى:
• لتلج للداخل عليك أن تتعلم قواعد التزلُّف العشر، وحينها ستُفتَح لك أبواب الأندية الأدبية على مصرعيها.
• علِّمني مما علمك الله، دُلّني يا شيخنا.
• اسمعني يا بني جيدًا، عليك أولًا أن تُجهّز مخطوطك، أَوْقِد فِكرك وأشعل روحك، وابدأ الكتابة، لا تكتب حتى تشعر أن الفكرة تخنقك، تتحكم فيك، تُحاصرك كلك؛ فيستجيب قلمك. اكتب كل حرفٍ بعناية ودراية، وانقش كل سطر بماء العقل، نَسِّق الصفحات. اكتب كما لو كان ذاك آخر العهد بالكتابة، استجمع عصارة فكرك في تلك الساعة، واكتب حتى تنضب أفكارك. ثم أغلق الصفحة. ولا تنشر منشوراتك حتى حين.
• ثم ماذا يا شيخنا؟، متى أعيد طرق الأبواب؟
• الحقّ الحقّ أقول لك، بل تجاهل الأبواب، حتى تصل للصواب، هذه النصيحة لك للكتابة؛ أما الأندية الأدبية فالطريق لها مكبّل بالمخاطرة، ومحفوف بشلّة المصاهرة، والآن حان وقت الرحيل أيها الكاتب...
- قِرطاس يا شيخ؛ أسماني والدي قِرطاس ليعلو شأني بين الناس.
إذًا يا قرطاس! انتظرني يومًا أو يومين.
وسأعود إليك لأكمل لك قواعد التزلف العشر كاملة التمام دون زيادة أو نقصان.