قراءة في عناصر السرد.
" القصة الفائزة في المركز السادس في مسابقة مجلة ( دوائر ضوء)
أولا النص:
(( كان البوط الذي انتعله وقتها مثقوبا من كل الجوانب، فسرعان ما يدخله الماء بمجرد أن تطأه قدماي. لكي أتجنب المواجهة المباشرة مع الماء، الذي كان يتوغل إلى بوطي كالفئران حين تهاجم مخازن الطحين. كنت استعمل أكياسا بلاستيكية (الكيس الأسود)، انتعلها بعد الجوارب إن وجدت.
كان والدي قد وعدني قبل أيام بأن يشتري لي بوطا جديدا، بمجرد أن يتوقف المطر عن الهطول. أذكر وقتها أننا أمضينا أكثر من أسبوعين والمطر لم يتوقف، وذلك ما فصل بيننا وبين السوق، ولكنه لم يفصل بيني وبين الدراسة.
كلما طال الشتاء، تتضاعف المعاناة، وكل ما بلل من الثوب، إما تأكله النار، أو ينشف بعد مرور أيام عديدة. كنت أحيانا انتعل بوطي المثقوب، دون أن ألبس الجوارب، فأكتفي فقط بالكيس الأسود داخله، يحتك بالماء فيصدر صوتا مزعجا، حينما أتمشى. كل الجوارب مبللة بالماء وبعضها ضحية النار، التهمتها عندما كنت أحاول تنشيفها. يرافقني أبي إلى النهر الذي يفصل بين ضفتي الدوار، ويحملني على ظهره إلى أن نقطع الوادي. في الفضة الأخرى أتمشى على الجانب حتى أدرك ملتقى الوديان رفقة الأصدقاء، وثمة قنطرة صغيرة قريبة من السوق في الوادي الأخر، وضعها بعض المتطوعون من سكان القرية، لكنها بعيدة جدا، وكنا نفضل أن نجازف بقطع الوادي على أن نقطع تلك المسافة الإضافية.
توقف المطر أخيرا، والبوط الجديد قريب. سأتخلص من الأكياس السوداء اللعينة، التي يقشعر بدني كلما لبستها. تسوق والدي، فأشترى لي البوت الذي وعدني به. كان بوتا جميلا، أزرق اللون، وأطول من الذي كنت أنتعله من قبل. بوت مميز. جربته، فكانت قدماي مرتاحتين داخله. فيه القليل من الصوف يتوسط قدمي والبلاستيك الذي نسج منه البوت. قال لي والدي وهو يوصيني بضرورة الاحتفاظ به، ويحذرني من قطع الوادي:
- البوط غالي، إياك أن تثقبه أو تفقده، فإن فعلت ستمشي حافيا هذه المرة.
- كن هنيئا يا أبي.
- وإياك أن تقطع الواد سيجرك.
كنت أفكر أن أجيبه، على أنه مجرد بوط، وما شأني إن ثقب أو ضاع، لكني فكرت كم عانيت وأنا أنتعل بوطا مثقوبا، والماء لا يفارق قدمي، ذهابا وإيابا، وفكرت أيضا، معنى أن يضحي والدك بمائة درهم في فصل الشتاء. وسيتساءل السائل: مائة درهم ؟ الشتاء ؟ نعم، مائة درهم، والفصل شتاء، فأما عن مائة درهم، فهي مبلغ كبير بالنسبة للكادحين والدراويش أمثالنا، تساوي يوما ونصف من العمل لمدة عشر ساعات في اليوم الواحد. وأما عن الشتاء فهو الفصل الذي نرجع فيه إلى كل ما ادخرناه في الفصول الأخرى من الشعير، والقمح، والمال، والبصل، والبطاطس، والعدس والفول والفاصوليا... ولا يجتاز صعوبة هذا الفصل القاسي، إلا من كان له منطق سيدنا يوسف عليه السلام في ادخار الحنطة وتسير الشؤون. رأيت مرارا، أمي ترمي الشعير والقمح اللذان فسدا بسبب حشرة لعينة لا تدرك الجريمة الشنعاء التي اقترفتها. فصل الشتاء، هو فصل القحط والجفاف، ولكن ليس بذلك الفهم المعجمي للكلمات، فالسماء لا تمسك عندها الغيث، ولا الأشجار تصير صفراء اللون، ولا الآبار يقرع ماؤها، فالمطر يتساقط أكثر من اللازم، وبشكل فوضوي حتى يأتي على كل شيء. ورأيت مرارا مقدمة الوادي، كانت كموج عملاق يجرف كل شيء اعترض سبيله، مخيف ومرعب، وصوته يبعث الرعب في النفوس، فبعد أن تنقص المياه كنا نهبط إلى الوادي، فنجد الحمير والغنم والدجج والكلاب والقطط جثثا هامدة، ونجد كذلك أشجارا عملاقة جرها من آخر الدنيا، ونجد أشياء غريبة وعجيبة لا نعلم من أين جرها.
خرجت صباحا من المنزل منتعلا بوطي الجديد، كان المطر في استراحة مؤقتة، والمياه في الوادي أقوى مني بكثير، لن أقدر على قطعها وحدي، وحتى إن فعلت فعمقها أعلى من بوتي. حملني أبي كالمعتاد على ظهره فقطعنا إلى الضفة الأخرى، وجدت أصدقائي في انتظاري. عاد والدي إلى المنزل بعد أن أكد علي، ضرورة المشي جنب الوادي حتى أدرك القنطرة في الوادي الأخر، لكي أمر فوقها.
انطلقنا إلى المراد المنشود، أعتقد أن رغبتنا في تحدي الطبيعة كانت أكبر من رغبتنا في الدراسة نفسها. هل الدراسة هي من تجعلنا نفارق الفراش في الصباح الباكر بصعوبة بالغة، فنركب صهوة الوادي دون أن ندرك المصير المحدود، أم هو التحدي الذي زرعته فينا البيئة التي نشأنا فيها، فجعلنا نترك النوم اللذيذ، والدفء المرغوب، فنركب المحن والصعاب ونلبس البرد المنبوذ؟
وصلنا إلى ملتقى الوديان(السوق القديم) كان الوادي الآخر، الذي يأتي من الدواوير الأخرى ويمر جنب السوق الجديد، أقوى من الوادي الذي يأتي من دوارنا، وحين يلتقيان في تلك النقطة، يتباوسان ويتعانقان بشغف وحب كبيرين، فيكملان الجريان معا، فويح لمن طوعت له نفسه، بأن يفسد عليهما لحظتهما الحميمية، فقد يصبح من المفقودين إلى الأبد.
سرنا جنب الوادي الأخر بضعة خطوات، متجهين إلى القنطرة التي سنقطعها إلى السوق، لكي نلتحق بالإعدادية التي تقع في السماء السابعة، قال أحد الأصدقاء:
- اش بان ليكم، نقطعو الواد من هنا ونوفر على أنفسنا مزيدا من الوقت؟
قال الثاني وهو يؤيده :
- معك الحق، قد تعبنا من المشي ولم يبق الكثير من الوقت.
قال الثالث مستغربا:
- نحن لم نقدر على قطع وادنا وما بالكم بهذا الوحش ؟
قلت وأنا أحاول إقناعهم بأن المجازفة أمر غير مرغوب فيه هذه المرة:
- ما بقى لنا والو، علاش بغتونا نغامرو بأرواحنا ويجرنا الواد.
لن أخفيكم سرا، أني لم أخف من أن يجرني الوادي، إنما كنت خائفا على بوطي الذي أنتعله لأول مرة ولم أفرح به بعد. لا يمكن أن أقطع الوادي والبوط في رجلي، لأن علو المياه يدرك بطني، ففي حالة فكرت أن أجازف، علي أن أنزعهما، فأحملهما في يدي.
قرر الأصدقاء أن نجازف ونقامر، ولكي لا يجرفنا الوادي، علينا أن نمسك بعضنا البعض، وذاك ما فعلناه. بينما كنا ندخل إلى أرض المعركة رويدا رويدا. نتفقد بأرجلنا قوة المياه، وقدرتنا على مجاراتها قبل أن نخطو أية خطوة إضافية. وقعت مني فردة البوط وسط المياه، فتغيرت ملامحي، وهبطت دموعي وأنا غير قادر على استيعاب ما حدث. كانت تهبط على عقلي أفكار وأسئلة ذابحة، يا إلهي هل سأعود إلى المنزل بفردة واحدة ؟ ولمن ستصلح الفردة الواحدة ؟ هل سيغفر لي والدي مخالفة أوامره؟ هل ستضيع مائة درهم مع هذا الوادي ؟ يا إلهي لم أفرح بعد ببوطي، فكيف لي أن أتقبل فقدانه بهذه السرعة ؟ يجب أن أتصرف بطريقة ما، لا يمكن لي أن أستسلم للوادي اللعين.
تركت يد الصديق الذي كان يمسك يدي، فهرعت خارج المياه أنظر إلى بوطي الذي يظهر ويختفي وسط الماء، وهو يبتعد أكثر فأكثر، حتى توارى عن الأنظار. فكرت أن أعترض له مهما كانت النتيجة. ركضت بكل ما أملك من طاقة، فتسابقت مع المياه حتى قطعت مسافة لا تقل عن خمسين مترا، فاندفعت وسط الماء دون خوف ولا رعب. أكاد أسقط أحيانا وأنا أستشعر رجليي تتحركان داخل المياه مرغمتان بينما أنا واقف في مكاني أنتظر بوطي وأسأل الله جهرا وسهرا أن يرجعه إلي. إن هذه الفكرة ارتجالية فقط، لأن البوت لم يعد يظهر عندما اندفع أكثر وسط الماء. سمعت صوت الأصدقاء من خلفي:
- هل أنت أحمق، فالبوط قد ضاع، وأنت تعرض حياتك للخطر.
- اخرج من هناك يا صاحبي.
لم ألتفت إليهم أبدا، بقيت كالصنم في مكاني، فالتحق بي أحد الأصدقاء. شعرت أن شيئا ما قد توقف عند ركبتي اللتان لا تظهران بسبب علو المياه عليهما. حشرت يدي لأتفقد الشيء الذي استقر عندهما، أمسكته، فرفعته. كان ذلك الشيء، عبارة عن معجزة، يصعب تصديقها، فعصر المعجزات قد فنى، فكان ذاك الشيء هو بوطي الذي شفق علي، ولم يهن عليه فراقي، فعاد إلي من جديد، فرحت أصرخ مبتهجا:
- لقد وجدته، بوطي قد وجدته، قد عاد إلي، عاد...))
ثانيا القراءة :
قصة" البوط" قراءة في عناصر السرد .
حين يأتي النص الأدبي معايشا للتجربة ، ينقلها للقارئ بمتعة وجذب وتكون الرسالة عميقة وحين يرتبط النص بالمحلية ويصور المكان من حوله بدقة فتلك ميزة أخرى تبشر بقاص متمكن وسوف يكون الوقت الذي يرتبط فيه القاص بالمكان ويستغل أحدأثه لصالحه؛ فإنه يخلق لفكرته رائحة وبصمة خاصة سار في دربها أو نهجها كبار الكتاب من القاصين العرب وغيرهم .
فمن النصوص التي صادفتها ونالت إعجابي نص ( البوط) للقاص المغربي / محمد أكعبوني والذي يحكي من ذاكرة الطفولة علاقته بالبوط الممزق المثقوب والجديد وسط أسرة ريفية تعمل بالزراعة متوسطة الحال .
أولا العنوان: جاء العنوان مباشرا صريحا غير ملغز ولايحتاج لقراءة وتأويل فالبوط هو : " عبارة عن حذاء بلاستيكي يلبسه الفلاحون لحماية أرجلهم من الوحل أثناء سقي المزورعات ونزول المطر ويستخدمه الأطفال في الأرياف أيضا.
جاء العنوان متعمدا زيادة في الجذب ومتابعة قراءة النص وكان موفقا للغاية برغم مباشرته.
ثانيا الحوار : جاء الحوار داخليا في كثير من التنقلات السردية يوضح رؤى الشخصيات وعلاقاتهم ونظرتهم للحياة ويرسم أفكارها ويصف واقعهم
وجاء حوارا مباشرا ثنائيا في القليل النادر من النص
استخدم الحوار الداخلي ليظهر الحالة النفسية لشخصية البطل فجل طموحها أن يشتري والدها بدلا عن الممزق المثقوب فقد أصبح مؤذيا.
(( كان البوط الذي انتعله وقتها مثقوبا من كل الجوانب، فسرعان ما يدخله الماء بمجرد أن تطأه قدماي. لكي أتجنب المواجهة المباشرة مع الماء، الذي كان يتوغل إلى بوطي كالفئران حين تهاجم مخازن الطحين. كنت أستعمل أكياسا بلاستيكية (الكيس الأسود)، أنتعلها بعد الجوارب إن وجدت.
كان والدي قد وعدني قبل أيام بأن يشتري لي بوطا جديدا، بمجرد أن يتوقف المطر عن الهطول. أذكر وقتها أننا أمضينا أكثر من أسبوعين والمطر لم يتوقف، وذلك ما فصل بيننا وبين السوق، ولكنه لم يفصل بيني وبين الدراسة.
كلما طال الشتاء، تتضاعف المعاناة، وكلما بلل من الثوب، إما تأكله النار، أو ينشف بعد مرور أيام عديدة. كنت أحيانا أنتعل بوطي المثقوب، دون أن ألبس الجوارب، فأكتفي فقط بالكيس الأسود داخله، يحتك بالماء فيصدر صوتا مزعجا، حينما أمشى.))
ومن ذلك رسم الحوار صورة الشخصية فهي شخصية مثابرة صبورة تعترف بحالها وتحضر المدرسة بحقيقتها دون تخجل من وضعها.
والحوار بين من خلال الدلالات العلاقات المتحابة والألفة بين شخصية البطل وأسرته فالأب يعده بشراء البوط وعد الصادق(( كان والدي قد وعدني قبل أيام بأن يشتري لي بوطا بمجرد أن يتوقف المطر))
علاوة على أن الولد " بطل القصة" والأب حريص عليه ومحبوب من قبل والديه (( يرافقني إلى النهر بين ضفتي الدوار ويحملني على ظهره. ))
و استطاع الحوار أن يظهر أيضا العلاقات الأليفة بين بطل القصة وزملائه في المدرسة ويظهر عقلياتهم الكبيرة برغم طفولتهم.(( انطلقنا إلى المراد المنشود ، أعتقد أن رغبتنا في تحدي الطبيعة كانت أكبر .. والتحدي زرعته البيئة التي نشأنا ... سرنا جنب الوادي المؤدي إلى القنطرة ولكي نلتحق بالإعدادية ..
قال أحد الأصدقاء:
- أش بأن ليكم تقطعوا الوادي من هنا ونوفر على أنفسنا مزيدا من الوقت؟
قال الثاني وهو يؤيده:
- معك حق قد تعبنا من المشي ولم يبق الكثير من الوقت
قال الثالث مستغربا :
-:نحن لم نقدر على قطع وادينا مابالكم بهذا الوحش؟))
نوع النص بين الحوار الداخلي والحوار زيادة في التشويق والجذب ورسما للرؤى المتباينة والمتفقة وهذا التنويع ينم عن اقتدار قصصي بديع.
ثالثا البناء : استطاع القاص من الذاكرة أن يبني نصا ملفتا بطريقة جاذبة فقد استخدم في السرد ضمير الأنا مترابطا بضمير الغائب وكله ارتبط بالوصف والحوار ليرسل للمتلقي نصا بديعا فكانت البداية موفقة كثيرا من خلال وصف الحذاء المثقوب ووعد الأب بشراء الجديد ويتصاعد بالأحداث باستمرار المطر أسبوعين وهذا يؤخر شراء الحذاء (( كلما طال الشتاء تتضاعف المعاناة .. كنت أحيانا أنتعل بوطي المثقوب دون أن ألبس الجوارب فأكتفي بالكيس الأسود داخله وحين يحتك بالماء يصدر صوتا مزعجا))
يتصاعد السرد بالأحداث(( توقف المطر أخيرا والبوط الجديد قريب سأتخلص من الأكياس السوداء..... تسوق والدي فأشترى لي البوتة الذي وعدني به، وكان بوتا جميلا أزرق اللون وأطول قليلا من الذي كنت أنتعله .. انتعلته فكانت قدماي مرتاحتين داخله وفيه القليل من الصوف. ))
تتصاعد الأحداث أكثر حين يحذره والده من تقطيع الحذاء أو ضياعه فهو غال ثمنه مائة درهم (( يوصيني أبي بضرورة الاحتفاظ به وعدم قطع الوادي))
وهذا استباق رائع في بناء القصة يجعل المتلقي يتوقع أحداثا جديدة ومن خلال الاستباق تأتي المفارقة مابين الاحتفاظ بالحذاء وضياعه فذلك مكلف لأسرة فقيرة أو متوسطة الحال(( مائة درهم مبلغ كبير بالنسبة للكادحين والدراويش أمثالنا))
والنص بهذا رسم مفارقة أخرى بين الغني والفقير والإنسان الذي يحيا ليعيش بكده وكدحه بكرامة وبين أولئك الذين لايشعرون بمن حولهم.(( أما عن الشتاء فهو الفصل الذي نرجع فيه إلى ما أدخرناه في الفصول الأخرى من الشعيرة والقمح والمال والبصل والبطاطس والعدس والفول ولا يجتاز صعوبة هذا الفصل إلا من كان له منطق سيدنا يوسف))
تتأزم الأحداث وتتشابك حين ينتعل الحذاء الجديد ويحمله كالعادة على ظهره ويعود للبيت وهو يحمل حذاءه بيده إلى. أن تتأزم العقدة وهو مع زملائه في ملتقى النهرين ويقرر الجميع المغامرة بأن يختصروا الطريق ويتجازوا الضفة الأخرى عبر سيل النهرين الجارف(( قرر الأصدقاء أن نجازف ولكي لايجرفنا السيل علينا أن نمسك ببعضنا البعض وذاك مافعلناه نتفقد بأرجلنا قوة الماء وقدرتنا على مجاراتها وقبل أن نخطوا خطوة سقطت مني فردة الحذاء فتغيرت ملامحي وهبطت دموعي))
تتأزم الأحداث أكثر وأكثر بتشويق كبير(( تركت يد الصديق فهرعته خارج المياه أنظر بوطي الذي يظهر ويختفي وسط المياه وهو يبتعد أكثر وأكثر حتى توارى عن الأنظار))
ليأتي والمثير الأخير (( ركضت بكل ما أملك فتسابقت مع المياه قطعت مسافة خمسين مترا اندفعت وسط المياه دون خوف ..بينما أنا واقف في مكاني وانتظر بوطي وأسأل جهرا وسهرا أن يرجعه ... لم التفت لأصدقائي لحق بي أحدهم شعرت ما توقف عند ركبتي اللتان لاتظهران أمسكته فرفعته كان ذلك الشيئ عبارة عن معجزة هو بوطي الذي شفق علي))
فحبكة البناء متقنة لحد بعيد من بداية القصة " البوط المثقوب" إلى شرائه وتحذير الأب من ضياعه إلى سقوط فردة وتواري الفردة عن الأنظار إلى الاندفاع داخل الماء والأصدقاء يحذرونه من البقاء وهم يائسون من عودة الحذاء ويخشون عليه من أن يجرفه الماء، إلى ارتطام البوط بركبتي الشخصية وينتهي الأمر برفعه وصراخ البطل (( لقد وجدته بوطي قد وجدته ، قد عاد إلي ، عاد..))
رابعا الخطاب السردي: لن أدخل في إشكاليات الخطاب ولكني سأتناول السارد " الراوي" الذي يعد حجر الزاوية في أي نص قصصي ومن خلال النص(( البوط)) فقد استطاع القاص أن يروي الأحداث بضمير المتكلم والغائب مع بعض بتسلسل منطقي وزمني وبترتيب محترف فحين يتحدث عن الذات يأتي بضمير المتكلم ويلحظ ذلك من خلال (( كان البوط الذي انتعله وقتها مثقوبا من كل الجوانب ... كان والدي قد وعدني قبل أيام بأن يشتري لي بوطا جديدا .)) ويتردد هذا الخطاب بشكل عام بطريقة متكررة في أحداث القصة ومن هنا استطاع أن يرسم للقارئ نوعين من الرواة راو عليم بالأحداث وهذا العليم يتحول لراو ضمني وقارئ ضمني بوصف أن القارئ يبني الشخصية على الراوي الكاتب بناء على طول النص بينما النص والراوي العليم يبتعد عن الكاتب بوصف الراوي السارد شخصية متخيلة هي في سن بعيدة عن الطفولة ومن هنا بنى القارئ الشخصية شخصية طفل في الزمن الماضي وشخصية راو غائب في الزمن عبر أحداث القصة القصة جاءت من راو غائب يرافب الأحداث
فالسارد تحول لراو ضمني بناها المتلقي عبر أحداث القصة هي شخصية الطفل والعميق أن الراوي استطاع تماما أو بإجادة أن يتقمص دور الطفل سواء من خلال أحداث القصة أو من خلال دلالات اللغة وأصواتها فشخصية الطفل تلك شخصية صبورة عانت كثيرا واستطاعت تلك الشخصية أن تكون جريئة فضحت وهتكت الأوضاع
ولم تستعر من وضعها فالبوط تستخدم له أكياس بلاستيكية فتحدث أصواتا مزعجة حين يغزوها الماء تلك الأصوات تشبه الضراط.
ليس هذا فحسب بل أن شخصية الطفل تعترف بوضعها الأسري بجرأة لترسم أوضاع االفقراء عموما (( فأما عن مائة درهم فهي مبلغ كبير بالنسبة للكادحين والدراويش أمثالنا))
ويقول السارد(( أما عن الشتاء الفصل الذي نرجع فيه إلى كل ماادخرناه في الفصول الأخرى))
بل تلك الشخصية مجازفة أكثر من أصدقائها (( اندفعت وسط المياه دون خوف ولارعب))
ومن تبادل كلتا الشخصيتين بالأدوار مرة كر أو عليم والثانية كضمني فالعليم الطفل والضمني الغائب قد يكون الكاتب أو غيره من الشخصيات المتخيلة.
أما الزمن والمكان فقد تلازما وترابطا بشكل ملفت فالفضاء السردي مجموعة الأمكنة في أحداث القصة والتي جرت فيها الأحداث (( البيت ، الدوار، النهر ، السوق المدرسة ، وغيرها))
كان المكان متألف وبعلاقة متحابة متآلفة مع الشخصيات يغلق المكان المفتوح قسوة الزمن فالشتاء جاء رمزا للقحط والقسوة برغم خصوبة المكان وكأن المكان يتحول للوطن الخصيب الذي يقسو برغم خصوبته والزمن الشتاء يتحول لزمن عام قاس ربما على الأمة والأوطان.
ملاحظات:
- النص اجتماعي يرسم فكرة الطفولة وشظف الحياة.
- مايعاب على النص الكثير من الحشو في كثير من أحداثه ويستطيع القاص حذف الكثير منها دون أن يختل النص.
- النهاية جاءت سعيدة وكان بالإمكان الاكتفاء بالنهاية (( شعرت بشيء ما يعترض ركبتي ))