كل ضرّاء مهما بلغت حدّتها لا تُلغي إرادة الإنسان فيمايخص نزعة التفتيش عن النجاة بكل
صورها وقوالبها وتصوراتها لديه..
يُنجدنا هذا اليقين مما نُحس به فُرادى، ولطالما حصدنا السكينة من خلال عدة تفصيلات تخصنا
وجدناها تتجول في مداراتنا ولم تزل تفرض جدواها كلما فقدنا وجهة الحياة بصفتها صورة من صور النجاة!
لا بد من وجود مسرّة في أعتى اللحظات، وفي بلادة الأيام التي نمر بها من سنوات دون أن
نتحسس القيمة من فرط اعتياد تواترها!
أقول لنفسي ذلك وأشرع لتحسس القيمة في كل شيء ألمسه الآن، السلامة بوصفها
أقصى أمنيات المرء في هذا العالم - البيت - الأهل - السند - الأمان - الغفو بسلام - حنوّ التضرّع
بيقين الإجابة، الكلمات حين تتنقل بحرية وتلقى رواجها بالتفاتة ومحبة - الحياة، الحياة بوصفها هِبة ،
هذه التفاصيل التي يتسرب منها السلوى، هذه القيمة في كل شيء ندور فيه ونتحسسه
ونتلقاه ونعطيه ويميزنا، هذه الخفة في إلمامنا بالنعم،
كنتُ أمر من عند ذلك مرورًا عاديًّا كما هو الحال لدى كثرتنا؛ لأن ليس لدينا الوقت
لنتوقف تأملًا لكل قيّم ونحن غارقون في علة السعي والجهاد ضد العدمية،
الآن هي وقفة نافعة نمارسها على قلق، في إجراءاتها نتمكن من الانحناء لأبسط الأشياء تقديسًا
لفاعليتها حتى اللحظة!
قد تطول الكارثة ويستمر تقديرنا لكل شيء على سبيل فواته والحنين له،
وقد ينتهي كل شيء الآن وفي هذه اللحظة، بيد أن احترازنا بتكويم التفاصيل الثرية يشبه
حجرة إيواء تقي من فقدان المعنى،
حيث تغدو بوابة لحياة جيدة ونافعة لم تفقد كفاءتها بما تُمرره من أحاسيس رائقة تناهض
ثِقل الكوارث بما تفرضه من أضرار..
اليوم نتعامل مع كل شيء مُفرِح ومستساغ بفائق التعظيم والتضخيم لفاعليته، التي هي
فعّالة بحق لدى من يظن أنه سيفقد كل شيء ويتشبث بما يحويه ويملكه من التفاصيل
والتي تُشكل رغم بساطتها مخابئ من هلع النهاية،
وترممنا بالهدأة ولو لوهلة نحسها دائمة من فرط عذوبتها وأمان وقعها.
ألاّ أفقد المعنى لكل ما هو أمامي وفي ذاتي الآن أهم من التفتيش عن المخارج
بتسويف الانتباه للأحداث الجارية، أن أتحسس فاعلية كل ما يحيط بي وأستقر في ظله أجدى
حاليًا من السعي للظفر بالمزيد استجداءً للخلاص،
تحيط بنا لمسات متوهجة، ملامح ثرية لأشياء لم تفقد كفاءتها قط، هِبات أكثر من كونها
نعم اعتدناها ولم نشعر بعظمتها من قبل!
يشتعل المرء بالإدراك لا سيما في حالاتنا هذه التي بدأ
كل شيء فيها يفرض قيمته ويتضخم الشعور نحوه،
فيحرس حياته بوجل لم يعهده، يتصرف على أساس وعيه المتأخر بقيمة كل شيء
ويحفل جدًا بفكرة أنه ذو حظوة، تملأ حياته الهبات التي لم ينتبه لها قط، يسترخي
في ظلها في عز الخوف والرهبة، يتحسسها كعتاد في ظل تهديد حرمان جمعيّ يكاد
يتجدد تجاه كل شيء ولكنه يتيح مخرج لدى من يتلمس في كل تفاصيل حياته هِبة
تردفها هِبة تحتفظ بتوهجنا في عُسر الحياة.