- معدِّيْ برْ محمد : رجلٌ سبعيني ، معتصبٌ غترته على طريقة أهلنا في ألمع ، لا يستطيع مفارقة حزامه وشفرته ، حافي القدمين ، جزء من ثوبه محشور تحت الحزام فلا يصل سوى منتصف الساق .. مع الهزيع الأخير من الليل يضحّيْ ثوريه ويعتني بهما ، كي ينطلق معهما بعد صلاة الفجر لحرث مدرجاته الزراعية .. رجلٌ طروبٌ في رزانة وحكمة الأزد .. يُضربُ به المثل في كرمه هنا في ألمع .. يغني مع ثوريه أغاني الحرث من مثل :
أنا لامْغلامينَ حطاّبِ ليلِ
ومنْ يحطبِ الليلِ يلقى النّكودِ
ألا يامْغلامينَ وانا فداها
وانا فداشَ يا زهرِ الافْوالِ
وفي قيظ الهاجرة يكون غناؤه غزليا مما يرقق الهجير مثل :
لاقيَهْ واتمناّشَ يا لا قيَهْ
مثلَ ذا معدمٍ ويْتَمَنّى الغنى
لاقيَهْ ريتِ هوافِ مردافها
مثلَ هواّفِ مرْدًى منَ احنابَها
- لاقيهْ ، زوجته ذات المهمات الصعبة : ترعى البيت والأطفال ، وتذرى عليه في تَلِيم الأرض ، وتحمي الزرع من الطير والقرود ، وتحشّ الزرع وتصرم عذوقه ، وتجني شجر البنّ ، وتجمع جنى السدر ، وتقطف من أحواضها أغصان الطيب من البرك والريحان والشيح ، وتخرط حناءها ، لتجمع من كل هذا ومن سمنهم وعسلهم بضاعتها إلى سوق ( رجال) و(الأحد) ، ولا مانع من أن تأخذ في طريقها حملة من الحطب لبيعها ...
- ذيبان : رفيق عمْر معدي . مولعٌ بغنمه إلى حدّ الهيام . رافقه يرعيان الغنم في أعالي جبالهما ، محاولا إقناعه بالمسير معه إلى الحج .
معدّي : ألا والعون يا ذيبان .
ذيبان : الله يعافي ذا اللون وانت والعون ..
( حوار حول امْغنم وأحوال البلاد ........) .
معدي : يا ذيبان ، كبِرْنا ولمْ عاد لنا خلف ذا اليوم الا نرتجي منيّتنا ، ولم نقضيْ فريضتنا . أنا عزمت على الحج ايلا شا الله ، قلت ايلا أنت ميد سيرتي ، تعرف ياخوك سيرة امرفيق زينة وسلامتك ..
ذيبان : الله يحييك وعلمك ، أمانا فقد نشدّ امّطوّع وقال لي ذا ليس يقدر فلا كلَفَةَ علاهو من ربي ، وانا والله لانا آراني اواقدرْ ..
معدّي : يا رجال نمشي على نفسْنا ، بين القبايل وشيمْهم من قرية في امثانية ، وانْ شا الله لا وقع لنا الاّ خير ..
ذيبان : ايلا حجّتْ ضاعَ غنمي ، وايلانت عزمت فالله بجاه النبي ياهبْ لك حظ ، وانتبه لروحك انا اخوك ليس بك الغِرّ ان امْحجاج ولا لم يعوّدْ نعمهْ ، الله يوجّهْ جاهكْ.... وأخذ ذيبان يردد ( الواحي) لغنمه التي كانت تلتف حوله كلما سمعتْ واحيَه من مثل : ( لحن بلالالالالالاة معروفة لدى رعاتنا تسمى : الواحي ) ثم يترجمها بكلمات على نفس اللحن تمثل أمانيه :
ألا ليتَ امْجرادِ امْنافرهْ غَنمٍ ليْ
ألا وانَّ ارْضِ ربيْ كلها محجرٍ ليْ
ألاَ وامذيبِ راعٍ وامْنمرْ كلبةٍ ليْ
ألا وامْطَورِِ ذا متْقلِّلٍ بندقٍ ليْ
ألا وامْتالقةْ تا في الاحدْ لحيةٍ ليْ
ألاَ وامْنِ امْصبايا فاربعٍ نسوةٍ ليْ
ولَّشَ معدّي برْ محمد معه ، ثم ودّعه وهو ( يشْغب) على ( امْربْحان) الذين كانوا في غزوة على إحدى مزارعه .. واتّجه إلى بيته ..
يجمع زوادَهُ للسفر : سفْرة ( إناء من الجلد يجمع فيه زاد المسافر ويحمله بجنبه) - جَبَنَة ( دلة) صغيرة - صافي (قهوة) جهزتها له لاقية - عكّة سمن صغيرة – قليل من الدقيق .
ودّع لاقيه موصيا إياها في أبنائهما وفي الحلال من نحل وغنم وبنّ وبلاد .. ثم ولّى شطر مكة ...
أكمل حجه ، وبعد طواف الوداع دخل ( سوق الليل ) يريد شراء صُنْبرة ( حب الحمص) ومسابح لإهدائها منْ يستقبله ( هنا حوار مع الباعة الحضريّين) برياله الوحيد الذي يملكه..
فجأة في الشارع ، شابّ حضريّ قوي مفتول الذراعين لابسا (شميزا) وفوطة سفلية ( حوكة) ، ذو كرش ظاهرة جدا ، متفنّنا في استقبال الرجل :
تفضّلْ يا عمّي حياك الله ، أهلا وسهلا .. وتراحيب أخجلت الرجل !!
معدّي منبهرا جدا : أكْرِمِه وسَلّمِهْ .. أكرمَك الله يا ولدي ..
يأخذه الشاب ويجلسه على طاولة فخمة ، ويبدأ بشكلٍ عمليّ :
- تبغى فول ؟
- أكرمك الله
- تبغى عدس؟
- أكرمك الله
- تبغى يدام ؟
- أكرمك الله .....إلخ
امتلأت الطاولة ، وبدأ الضيف يأكل بشراهة حتى أنهى ما أعطيه ..
- معدّي : يبدأ في دهن يديه ولحيته الحمراء المحناّة وساقيه ببقايا السمن ، ويعلن لمضيفه :
- استكرمنا يا ولدي ، لم عادَ الاّ خلفناّ علاكم العافية ، أكرمكم الله وزادكم من فضله ..
- الشاب الحضريّ : ريالين يا عمّي !!
- معدي : هاااااااااااه ؟؟
- ريالين !!
- كيف ؟ لمه ؟
- يا عمي انت أكلت بريالين ، بلا ترْيَقهْ هات الفلوس ..
- قل لا إله إلا الله !!!
- حق ، بس هااات .. ايش تبغى تاكل ببلاش ؟؟؟
- يا ولدي انّكْ ذا عزمني ، أنت في عقلك ؟؟
- روح يا عمي عند اللي يعزموك .. هات الفلوس ..
- الله ينصرك لا معي ريال ، ولكنك عزمتني وليس يرد الكرام الاّ امسيحان ...
الشاب فهم أنه لا فائدة مع إصراره على دراهمه ، يصلُ بينهما الحوار إلى حالة أن الشاب ركله بركبته ركلة قوية على ذقنه وألقى به في الشارع تنزف دماؤه ..
- يمر عليه أحد العسكر لابسا بزته العسكرية :
- مالك يا شيخ ؟
- عزمني هذا الولد وألح علي ، وغداني ، وخلفها طلبني دراهم !!!
- دفع العسكري ريالين للشاب ثم أخذ بيد الشيخ معدّي ناصحا إياه :
هنا إذا عزمك أحد فهو يريدك أن تأكل وتدفع مقابل الأكل ، مرة ثانية إذا عزمك أحد لا توافق ..
- يعزمني ويطلب دراهم ؟؟؟؟
- نعم
- يتّجه الشيخ معدّي إلى الجنوب مولّشاً بأعلى صوته : ألاي اللللللللله يسقيشَ يا بلالالالالالاد امربااااااحْ ....