سافرت للرياض وعملت في فرن تميس ، وكان ذلك في عام 1376هـ بعد ما تركت الدراسة حيث لم أحصل على مؤهل علمي حتى يوم الناس هذا، وكان عمري اثني عشر عاما، وكنت أحصل على راتب قدره (120) مئة وعشرون ريالاً وهو مبلغ له شأن في ذلك التاريخ، لكني تعبت كثيرا بفعل السهر وسوء التغذية ولم أستمر في العمل أكثر من سنة، فتحولت إلى مدينة جدة لأعمل في مطابع الأصفهاني بمحض المصادفة التي هيأها لي الحي القيوم،منذ اليوم الأول كنت أرى أناسا غير عاديين من الأدباء والمثقفين، وكنت أتعامل معهم مباشرة إذ كانوا يأتون إلى مطابع الأصفهاني لتصحيح مقالاتهم التي كانت تنشر في جريدة البلاد ومجلة الرائد ومجلة المنهل، فقد كانت مطابع الأصفهاني من معالم مدينة جدة الكبرى لأنها الأقدر على طباعة الصحف والمجلات والكتب وحتى طوابع البريد التي تعتبر ورقات نقدية، فتعاملت مع حسن قزاز رئيس تحرير البلاد وطاقم الصحيفة، ومع الشيخ عبد القدوس الأنصاري صاحب المنهل، والأستاذ عبد الفتاح أبو مدين وكثيرين غيرهم، ومما يحمد لصاحب المطابع أنه هيأ مكتبا يلتقي فيه حاملو الهم الثقافي كل ليلة، ومن الرواد الذين يحضرون من يأتي من أم القرى، بمعنى أن صالون الأصفهاني كان أفضل من بعض الأندية الأدبية إذ لا يرتاده إلا من كان أديبا حقا، ولأني مبهور بأولئك الرجال فقد وجدتني أحاكيهم في ما يفعلون وأتعلم منهم وكانت بيننا ألفة ومودة واستفدت منهم كثيرا إلى حد أني كتبت أول مقال في جريدة البلاد عام 1382 هـ عن ضرورة تزفيت الشارع الذي يربط باب مكة بشارع المطار، وعند ما أبصرته على صفحة الجريدة كأنما الدنيا حيزت لي بحذافيرها، وإلى اليوم أحتفظ لهم بالود والتقدير فقد كانوا كبارا بحق، لكن الشيخ أبو تراب والأستاذ عبد الله جفري كان لهما التأثير الأكبر عليّ وأنا مدين لهما إذ وجّهاني وشجّعاني على الكتابة الصحفية.
أما حسن قزاز فقدجاء إلى موقع العمل ورآني أضع علم نادي الاتحاد على آلة الصف التي أعمل عليها فأمسك به وقد كان من الورق ورماه على الأرض ودعسه برجله لأنه كان من مشجعي نادي الوحدة في مكة المكرمة،ومن حسن الحظ أن الأصفهاني كان من أعمدة نادي الاتحاد، وقد لام القزاز وطلب منه عدم الاحتكاك بعمال المطبعة إلا في حدود العمل.
من كتابي #نبش_في_الذاكرة الصادر عن نادي الطائف الأدبي في 2021م
عن الأديب أحمد حامد المساعد .
وهنا شيء من سيرته الذاتية
أحمد حامد المساعد
( 1364هـ / 1945م )
من مواليد قرية " بني والبة" في منطقة الباحة،لم يتمكن من إتمام دراسته فاضطر للسفر صغيراً ومارس نشاطات مهنية بسيطة ، التحق بمطابع الأصفهاني في جدة عام 1378هـ عاملاً مساعداً وتدرج حتى أصبح مدير الطبع الصحافي في شركة المدينة،في عام 1371هـ مكّن الصحافة المحليّة من الاستمرار في الصدور يومياً بعدما امتنع العمال المستقدمين عن العمل فجأة،أمضى سنوات في العمل بمطابع الندوة في مكة وكتب على صفحاتها سلسلة مقالات بعنوان " كيف تنمّي البادية تطورها،ترأس لمدة أربع سنوات أول مكتب صحافي لجريدة المدينة في الباحة ،ترأس مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي في منطقة الباحة ، أحيل على التقاعد عام 1419هــ .