تهدَّمت كل ملامح قريتي الجميلة وتكسَّرت كل جسور أحلامنا البريئة وضاعت الأرواح تحت حصار اللحظة وأنقاض الوجع هل بقي للبوح وطن؟
حتى وطني رأيته راحلاً مطرقاً بخياله مطأطأً الرأس يجتث خطاه؛خوفاً ناديته :
ياااا وطن..يااااا وطن يااااا وطن
لم يعبه بما بكل نداءاتي وكأنه لا يُرِيدُ حديثي..!
ظننتُ إنه أصيب بالصمم فشاح عنَّي بوجهه الجميل وإن كان حزيناً..!
كأنَّه لم يعرفني ..يا وطن كأنَّني أعرفك..!
لاتهزأ بي وبضعفِ نظري فإني لأجدُ ريح وطني ..نعم أجدُ ريح وطني..!
ألست ذاك الـوطن الـــ…؟!
لم تكمل فقد خانتها عبرتها وتكمل حديثها وحاول الفكاك مني دون سابق إنذارٍ فأمسكتُ بتلابيبه ولم يحرَّك ساكناً وظلَّ معتصباً بعصبته المزركشة وهي تخفي تحتها حكمةُ شعبٍ أضاعتهالأطماع ويحتزم بحزامٍ نحيلٍ على بطنٍ ضامرٍ لم يعرف الشبع وسألته لاتخف ياوطن..فلستُ ممن لهم اطماع وكما تراني طاعنةٌ في السن ابتسامة ساخرة وتكملُ حديثها فقد سافر الفرح عني من قديم وأضعت قلبي في أزمان ٍ غابرة..!
ولكني أحبك وكأنها لا تريدُ أحداً أن يسمعها..؟!
لا لا ..لا أريدُ منك شيئا سوى حديث الرحيل والوداع فربما لا تجدني العام القادم..!
لا تقل لي بإني متشائمة فقد اشتريتُ كفني
أتعلمُ لماذا؟!
سوادٌ يتلبَّسني وحسرةٌ تعيثُ بي وفقدٌ يتلوى بي فلم تعد ذاكرةٌ لي فكل شيءٍ قد فقدت لاتخف من ملامحي المهاجرة..فقد عشتك بكل ملامح وجهي الذي تراه وربما لا يعجبك..!
حين كنتُ طفلة تغني بين الحقول وفي مدارس العمر وأسرتي تواصل الكفاح وتسقي وتزرعُ الأرض وتعمل بجد كأنهم خلايا النحل لا تعرف النوم..!
عشتُ ماضٍياً جميلاً وهو سلوتي في حاضرٍ مكلوم ..
آآآه قد نسيتُ أسئلتي..!
كههه..كههه..كههه
سعالي القديم لا يكاد يتركني وكأنه يخاف رحيلي..؟!
هو يعرفني من بين كل نساء الدنيا..فموطنه صدري..!
حتى إنَّه يلازمني ملازمة الظل ويعاقبني حين يراني أغيرُ ملامحُ حزني وحسرتي وتأملاتي الشاردة في وطنٍ يُرِيدُ أن يرحل..!
إلا تسمع..؟!
أقول لكـ وطنٌ يُرِيدُ أن يرحل..!
صوتها في جنبات المكان وتنهيدتها وحدها تكاد تلهب المكان..!
أجبني ماذا حلَّ بك ..؟
كأنَّك تحاول قتلُ أمرأةٍ تشاكسك وكأنها مفتونةً بك تلتفتُ يمنةً ويسرةً نعم نعم مفتونةٌ بك .. وإن كُنت تلملمُ مذكراتك بين حرب وحب.. أرحمني فقد نخرني الزمان بأوجاعه..!
ماذا ؟هل قلت شيئاً..؟
كأنني سمعتك .لعلها تمتمات قلبي..
لاتصدقُ أمرأةً تريدُ الموت وتكره الحب وتنسى حبيبها..!
أرجوك لا تقل شيئاً.. ولكن لا ترحل عني وتتركني..
ومازاااااال لي قلب..؟!
كيف أحببتك وكيف لي أن أنساك وأنتـِ الحياة..!
أردتُ أن أقول لا ترحل عن شعبك فهم وإن رأيتهم يتهاوون كالفراش في نار الفتنة والطائفية ..
التي زرعها الأعداء وغرسوا أنياب الجشع في خاصرة اليمن السعيد..يا وطني لا ترحل فهناك أرى فجراً قادماً وددتُ لو أبقاني ربي ومد لي في العمرلارآه وأعدك يومها بأن أتوشح البياض وسأحاول بكل مساحيق الدنيا وأدوات التجميل أن أعود سيدةً حسناء وأغني لكـ لحنصنعاء وعدن والمحويت والحديدة وتعز وحضرموت والمكلاَّ..وكل نبضة قلبٍ :
” يا منى العين يا يمن ” ..
كيف لك أن ترحل قبل أن تجني سعادتك
فأنت اليمن السعيد..
لا تبك يا حبيبي فدموعك غالية ..
ستبقى سعيداً في عيني وفي عيون شعبك والعالم..!
لا ترحل أرجوك فأصوات القنابل المدوية ستخلفها أصوات السلام والحب والطيور..سنحتسي قهوتنا والبن الخولاني يزكّيها ..
عد لشعبك فهو وإن رأيته يتطاحن ويحترق..
فلولا اشتعالُ النار فيما جاورت
ماكان يعرفُ طيب نفح العودِ
ومضة :
هل بقي للبوح وطن .. ؟