أصبحت الدنيا ظلامًا في ظلام، لا حياة ولا حركة، ولم تعد تدهشني كلمة (حياة)، كما لم تدهشني المعجزات، وزحف الخوف هاربًا تمامًا عندما كنتُ قريبةً من حافة الموت؛ حدث في تلك اللحظة شيء غريب... أحسست بلسعات الدمع على خدي، وكانت آخر دمعةٍ مليئةٍ بالألم تسقط وتتبخّر في آنٍ واحد.
وعجبي من أمري حين أدركتُ متأخرًا أن الخوف انتُزع من قلبي هاربًا عندما كنت على حافة الموت، أيعقلُ أن الخوف يخاف من الموت، أم أننا نقوم بزراعة الخوف داخلنا؟
ساد الصمت داخلي، ولم يكن حولي سوى صوت عقارب الساعة، كانت عيناي تتأملان النجمات القريبة من القمر، استشعرتُ حينها أن القمر يهمس لي بصوت منخفض: (دعِي الحياة تجري بما يحلو لكِ أنتِ، وليس بما يحلو لها).
أغمضتُ عينَيَّ حينها فورًا، وأعدت النظر إليه من جديد، وصوت دقات قلبي يعلو كأنهُ في مسابقة تحدٍّ مع عقارب الساعة التي تجاورني، أيعقل ما سمعت أم خُيّل إليَّ؟
لابد من أن أنتظر لحظات صمت أخرى، وسأحاول رؤية القمر، سوف أراه حتمًا وهو يهمس لي، انخفضت دقات قلبي، وارتفع صوت عقارب الساعة وأنا أتأمل القمر وكان الضوء خافتًا.
تارة يغلبني النعاس وأغمض عينَيَّ، وتارة أفتحهما، كنت أرتجف وانتفضت في صدري من جديد تلك المشاعر الغاضبة، وداهمني شعور حاد وتوقفت أذناي عند هذا الصوت:
"لا تغضبي؛ فأنا في انتظارك، وقريبًا جدًا سوف أكون لك الحياة والنور الذي ينير لكِ دربك"، وقبل أن أفتح عينَيَّ استطعت أن أميز هذا الصوت، إنه ليس خيالًا.
من أنت؟ من أنت؟
إنني لا أرى ملامح وجهك، أخبرني من أنت، وكيف تخبرني بأنك أنت الحياة؟
شددت خطواتي نحوه مسرعةً كي أرى ملامح ذلك الرجل، فجأة حدث شيء غريب أوقفهُ عن الحركة، وتلاقت عيني بعينهِ، وقد زاد من إحساسي هذا لمعرفة من أين أتى هذا الرجل ولماذا همس في أذني بهذهِ الكلمات.
نظرت إليه فوجدته ناعم المظهر، ولكن الصمت زاد بيننا، وأصبحت العيون تتحدث وتتجاوب... استقرت عيناي على شفتَيه، وتمتمت شفتايَ بكلمات غير واضحة، وتحشرج الصوت من فزع ما رأيت.
ابتسم واقترب مني، ثم أشار بإصبعه إلى أعلى السماء، وقال:
كنتِ تُخاطبين القمر، وخيّل إليك أنه يقول لكِ (دعِي الحياة تجري بما يحلو لكِ أنتِ، وليس بما يحلو لها)، ولم تلتفتي حولك، وشعرتِ حينها بأن القمر يخاطبك، لم تلتفتي، ولو فعلتِ ذلك لأصبحتِ تستمعين إلى دقات قلبي أيضًا تخبرك بأنني أحبك،
نعم أحبك، وأحببتك أكثر مما تعلمين.
لم يكن هناك ما يمكن أن أقوله، وترقرقت في عينَيَّ دموع لم تنهمر منذ زمنٍ بعيد،
كل شيء يبدو لي الآن كأنه حلم أو كابوس، ولستُ أعلم ما إذا كان ما سمعتهُ من ذلك العاشق حقيقةً أم لا، ولكنني استشعرتُ السعادة كعروسٍ ستُزف بعد لحظاتٍ
على إيقاع المطر.
اختلط الليل والنهار أمامي، سرحتُ بعالمٍ جميلٍ وأظلمت السماء وتلبدت بغيوم كثيفة داكنة، وصوت قلبي كأنهُ صاعقة إنذار لِتلك الغيوم قبل سقوط حبات المطر.
وما كادت تمر لحظة انغماسي في السعادة حتى ضغط على يدي بقوة، وأبرقت عيناه نحوي وهو يقول بصوت يملؤه الشوق:
أحبك، ولأني أحبك
سأغامر
وأحاول
واقتحم كل المصاعب.
سأحمل سيفي وأقاتل
سأحميك من كل ما هو قادم؛
لأني أحبك.
سأحضن روحك
تحت جناح المحبة
سأسافر بك
بعيدًا عن عالم الخيانة
سأخبرك بأن الحب
جمال ليس كأي جمال.
حبيبتي
لا تخافي
لا تجزعي
لا تيأسي
لا تبكي
أحس بناركِ
أعيش آلامَكِ
تلك الروح الرقيقة
داخلك
لقد عشقتها قبل العشق
لقد تعلقت بها.
هي عنوان
البراءة
والمرح
هي بلسم
الجروح
وسكن الخواطر.
صدقيني لو لم تقولي أحبك
سأحبك
وإن عشتُ عذابات الحب
سأحبك
وإن هِمتُ غرامًا
وذُبتُ اشتياقًا
سأحبك.
ومن الحب ما قتل
ومن الحب ما أحيا
سأحيا بك
مادام في الروح نَفَس
وفي القلبِ نبض
وفي العين دمعة
وفي القلمِ بوح
أحبك أنتِ وكفى
بالحب أنتِ.